عالمنا بلا حدود نبتدى منين الحوار
عزيزى الزائر أهلا ومرحبا بك فى منتدى محمد فوزى الثقافى نرحب بك ضيفا عزيزا على منتدانا ونتشرف بتسجيلك فى المنتدى بالضغط على رابط التسجيل
عالمنا بلا حدود نبتدى منين الحوار
عزيزى الزائر أهلا ومرحبا بك فى منتدى محمد فوزى الثقافى نرحب بك ضيفا عزيزا على منتدانا ونتشرف بتسجيلك فى المنتدى بالضغط على رابط التسجيل
عالمنا بلا حدود نبتدى منين الحوار
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
عالمنا بلا حدود نبتدى منين الحوار

منتدى محمد فوزى السابع عشر منارة ثقافيه للجميع
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
المواضيع الأخيرة
» كتاب يوميات فيلسوف مهموم 2019 الكتاب الذي هز قلوب العاشقين
من راوئع المبدع عبد الوهاب مطاوع Icon_minitimeالسبت 13 أبريل 2019, 12:01 pm من طرف الكاتب والمفكر محمد موسي

» قعدت أنادى ع الفضيله
من راوئع المبدع عبد الوهاب مطاوع Icon_minitimeالخميس 02 يونيو 2016, 6:28 pm من طرف مستر/عطيه الخضرى

» كُلُّه وارد
من راوئع المبدع عبد الوهاب مطاوع Icon_minitimeالسبت 02 يناير 2016, 6:28 am من طرف مستر/عطيه الخضرى

» وعد من قلبى السنادى
من راوئع المبدع عبد الوهاب مطاوع Icon_minitimeالخميس 31 ديسمبر 2015, 5:49 am من طرف مستر/عطيه الخضرى

» اخلاقي اساس حياتي سَــــألونيْ عَــن الدُنيـــا فَقُـــلتُ إنَــها زائِـــلة ويَـــومَ القيـــامة لـــن يَنفعَـــكْ أخً ولا عائِلَــــة إنَ الحَيـــــاةَ تُســقينا كَأسًــا مِـنَ المُـــرِ قاتِلـــةَ أتُحِــب أنْ تكـــونَ خطواتُـــكَ عَلــى الصــراط مُعت
من راوئع المبدع عبد الوهاب مطاوع Icon_minitimeالجمعة 05 يونيو 2015, 8:25 pm من طرف محمد فوزى البلقينى

» روشته السعاده الزوجيه
من راوئع المبدع عبد الوهاب مطاوع Icon_minitimeالجمعة 05 يونيو 2015, 8:14 pm من طرف محمد فوزى البلقينى

» من روائع الادب والحكمة.... لا يمكنك ان ترى انعكاس صورتك في ماء يغلي.. وكذلك لا يمكن ان تشاهد انعكاس شخصيات الاخرين وانت في حالة غليان الغضب!!
من راوئع المبدع عبد الوهاب مطاوع Icon_minitimeالخميس 04 يونيو 2015, 7:43 pm من طرف محمد فوزى البلقينى

» في البدايات تكون كل الأشياء رائعة والمشاعر متوهجة ويغيب العقل وتذهب الأفكار ثم وبالتدريج تذهب السكرة وتعود الأفكار ولكنها تأتي بعد فوات الأوان...ما مضي لن يعود ولكن الأمل دائما موجود والغد قادم لا محالة فلنستقبله بالرضا واليقين بأن الله لن يضيعنا وأن قضاء
من راوئع المبدع عبد الوهاب مطاوع Icon_minitimeالأربعاء 03 يونيو 2015, 5:35 am من طرف محمد فوزى البلقينى

» بين شقى الرحى حنين وانيين
من راوئع المبدع عبد الوهاب مطاوع Icon_minitimeالأربعاء 03 يونيو 2015, 5:34 am من طرف محمد فوزى البلقينى

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأكثر نشاطاً
وجهات نظر/*/* ماهو احقر الرجال
مشكله ليس لها حل000 فهل تشاركونى الراى ام تختلفوا معى اخاطب ود تواصلكم احبتى واحبابى
وقالت مدام امينه=== حوار مع ملكه الحوار
الاعلام الامريكى شبهه السيد الدكتور مرسى بالقرداتى
لالالالالالالالالا لى التسول بالأطفال
لايفسد الرجل الا امراه لعوب فقدت بوصله دينها
رساله ورديه من زوجه متهنيه هيا نتبادل الادوار زوجى وحبيب قلبى عشان اريحك عمرى
هل النزوه خيانه قضيه معاصره
رحبوا معى بسمو ملكه الحوار الجميله مدام امينه
حواريه مع الجميل جدا الاستاذ احمد ربيع من نجوم احلى منتدى والفيس بوك
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر
لا يوجد مستخدم
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم

 

 من راوئع المبدع عبد الوهاب مطاوع

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد فوزى البلقينى
المشرف العام لمنتدى عالمنا بلا حدود ونبتدى منين الحوار
المشرف العام لمنتدى عالمنا بلا حدود ونبتدى منين الحوار
محمد فوزى البلقينى


عدد المساهمات : 4476
تاريخ التسجيل : 02/09/2012
العمر : 73

من راوئع المبدع عبد الوهاب مطاوع Empty
مُساهمةموضوع: من راوئع المبدع عبد الوهاب مطاوع   من راوئع المبدع عبد الوهاب مطاوع Icon_minitimeالسبت 07 سبتمبر 2013, 3:52 am

كتب إليك وفاء لعهد قطعته علي نفسي أن أروي لك قصتي حين يلوح لي أول شعاع من الضوء, فأنا شاب في الثانية والثلاثين من العمر, نشأت في أسرة طيبة بين أب حازم وأم ربة بيت وأختين تصغرانني.. ولقد مضت طفولتي طبيعية وسعيدة إلا من بعض الفترات التي كان أبي يعاقبني فيها بقسوة علي هفوات الطفولة.. ويبرر شدته معي بأنني الولد الوحيد وينبغي أن أكون المثل الأعلي للأختين.. ولهذا السبب لم يكن يقبل مني أي تهاون أو خروج عن القواعد المرعية.. وفي هذا الجو الصارم نشأت.. وأنهيت دراستي الثانوية والتحقت بالجامعة.. وخلال السنة الأخيرة, اقتربت من زميلة لي.. لفتت نظري بدماثة طبعها وهدوئها وجمالها المريح, وشيئا فشيئا تقاربنا.. وتعاهدنا علي الزواج بعد التخرج.. وصارحتني فتاتي منذ البداية بكل شيء عنها, فعرفت أن والدها تاجر صغير مثقل بالأبناء ودخله لا يكاد يفي باحتياجات الأسرة إلا بصعوبة شديدة, وعرفت هي أن والدي مدير عام بإحدي الهيئات ويعتمد في حياته علي الأرض الزراعية التي ورثها عن أبيه, وأنه الآمر الناهي في حياة أسرته.. وتخوفت فتاتي كثيرا من ألا تلقي القبول منه بسبب بساطة حالها بالمقارنة بأسرتي, لكنني طمأنتها إلي أنه ـ بالرغم من شدته البادية ـ رجل طيب ويرغب في سعادتي..

وأنهيت دراستي, وكلفني أبي ببعض الأعمال في أرضه الزراعية إلي حين إيجاد عمل لي, ونجح بعد عام من تخرجي في تعييني بوظيفة في نفس المصلحة التي يعمل بها, وبدأت أفكر في مفاتحته في أمر فتاتي التي أرغب في الارتباط بها.. وقبل أن أفعل فوجئت به يطرح علي فكرة خطبة ابنة ابن عمه الذي يتولي رعاية مصالحه في الأرض الزراعية والبلدة ويملك ثلاثين فدانا وراح أبي يعدد لي مزايا هذا الاختيار الحكيم من وجهة نظره.. وكيف أنه سيحقق المصلحة للجميع, فالعروس طالبة بالثانوية العامة وجميلة ومن أسرة عريقة ووالدها ثري ومحترم, وسوف يوثق هذا الزواج روابطه بأبي فيزداد إخلاصا في رعاية مصالحنا بالبلدة.. إلخ, وانعقد لساني فلم أستطع النطق بكلمة واحدة.. وأعتبر أبي صمتي هذا قبولا فمضي في تنفيذها ووجدت الأمور تزداد تعقيدا.. فصارحت أمي بأنني أحب فتاة أخري وعاهدتها علي الزواج.. وتحدثت أمي مع أبي فانفجرت الزلازل والبراكين في حياتنا العائلية, واستدعاني أبي وراح يستجوبني عن تاريخ هذه الجريمة, ومتي بدأت وكيف جرؤت علي ارتكابها وأنا أجيب بصوت خائف ومتردد, ثم انتقل بعد ذلك إلي السؤال عن الفتاة وأسرتها وأبيها ومستواها الاجتماعي والمادي, وكلما أجبته علي سؤال اشتد حنقه حتي هم بأن يبطش بي لولا أن صرخت أمي وتدخلت بيني وبينه لأول مرة في حياتها قائلة له إنني قد صرت شابا ولا يجوز له أن يضربني كالأطفال..وشهدت أسرتنا أزمة عائلية عنيفة بين أبي وأمي, وغضب أبي غضبا هائلا حتي أنه هجر البيت وانتقل للإقامة في البيت الريفي الصغير الذي يقع وسط أرضه, ولم تنجح محاولاتنا لاستعطافه وإقناعه بالعودة إلا بعد أن قبلت يده ورأسه ووعدته بأن أفعل ما يريد ولو كنت به شقيا, ورجع أبي إلي البيت لكنه رجع شخصا آخر متجهما وحزينا وصامتا علي الدوام, وبعد عدة أسابيع أبلغني بأن أستعد للسفر معه إلي البلدة لخطبة ابنة قريبه فاسود وجهي.. والتزمت الصمت.. فسألني: ألا ترغب حقا في الزواج منها! فطفر الدمع من عيني ولم أتكلم.. فنظر إلي طويلا ثم قال لي: إذن فافعل بحياتك ما تشاء, ولكن لا تنتظر مني أية مساعدة في زواجك, وقلت له إنني أقبل ألا يساعدني ماديا في الزواج مادام هذا هو قراره, لكني أطمع في ألا يحرمني من شرف وجوده معي عند التقدم لأهل فتاتي, وعند الزواج.. كما أطمع ألا يحرمني من وجود أمي والأختين معي في هذه المناسبة.

وانتظرت كلمته بقلب خافق فأجابني بأنه لن يمنع أمي وأختي من مصاحبتي إلي أهل الفتاة.. ولا من حضور الزواج لكنه لن يحضره هو ولن يشارك فيه!
وعبثا حاولت بعد ذلك يا سيدي أن أستعطفه لكي يغير رأيه أو يلين قلبه, وفشلت محاولات أمي والأختين معه وكل أقاربه, وزاد الموقف سوءا بتقدم شاب ملائم لفتاتي, مما اضطرني للتحرك قبل فوات الأوان فاستجمعت أرادتي واصطحبت أمي والأختين إلي بيت الفتاة وطلبت يدها.. وصارحت والدها بكل شيء وبأني سأعتمد علي نفسي في الزواج, ولن يساعدني أبي في شيء.. وتفهم الرجل الموقف لكنه رفض أن يقبل عقد القران في غير حضور أبي..

وبدأت معركة جديدة مع أبي لإقناعه بأن يظهر فقط لمدة نصف الساعة يوم عقد القران استكمالا للشكل الاجتماعي.. وبعد جهود مضنية وافق علي ذلك وباعت أمي بعض مصاغها لتساعدني بثمنه علي تكاليف الزواج, وقدمت لي أختي الوسطي سلسلتها الذهبية وهي ترجو لي السعادة وقدمت أختي الصغري خاتمها وجنيها ذهبيا كانت قد حصلت عليه من أبي عند نجاحها في الإعدادية, ورفضت في البداية أن آخذ ذهب الأختين شاكرا لهما مشاعرهما الصادقة لكنهما لم تتركاني إلا بعد أن أخذته وساعدني والد خطيبتي في استئجار شقة شعبية صغيرة بمنزل قديم بالقرب من متجره الصغير في حي الخليفة.. وبدأت حياتي الزوجية مع زوجتي ونهلت من نبع السعادة معها وتعزينا عن ضيق ذات اليد وتواضع الأثاث وبؤس الحال بالحب المتبادل بيننا والعطف. وبعد شهر من الزواج اصطحبت زوجتي يوم الجمعة وذهبت إلي بيت أبي. فصرخت أمي من الفرحة حين رأتني.. وفعلت نفس الشيء الشقيقتان.. أما أبي فقد مد لي ولزوجتي يده صامتا.. ثم دخل غرفة نومه وأغلقها عليه حتي غادرنا الشقة.. ولاحظت زوجتي في طريق العودة اكتئابي وحزني, فهونت علي الأمر بابتسامتها الطيبة وقالت لي إن القلوب تلين ولو بعد حين.. ثم حملت زوجتي وكثرت مطالب الحياة, فطفت علي المحلات التجارية الصغيرة المجاورة لمسكني أعرض علي أصحابها إمساك دفاترها وإجراء حساباتها وإنهاء مشاكلها مع الضرائب لقاء مبلغ بسيط, وحصلت علي حصة في أحد المحلات مقابل ثلاثين جنيها في الشهر وأصبحت أخرج بعد الظهر إلي هذا المحل وأقوم بإعداد حساباته وأرجع إلي مسكني, ووفقني الله في إنهاء مشكلة لصاحبه مع الضرائب فكافأني عليها بخمسين جنيها كانت بالنسبة لي بمثابة كنز هبط علي من السماء.. وفاجأ المخاض زوجتي فحملتها إلي المستشفي الحكومي ووضعت حملها بسلام وتشجعت بمجيء وليدي وأول حفيد لأبي, فزرت والدي ودعوته لأن يشرف حفل السبوع المتواضع الذي سأقيمه له فرفض بإصرار مرة أخري.. فرجوته أن يسمح لأمي والأختين بحضوره ولم يعارض.. واحتفلنا بسبوع المولود, وغصة في قلبي لغياب أبي.. وسألتني أمي مشفقة عما سأفعل في تكاليف المولود وثمن اللبن وأجر طبيب الأطفال وخلافه, فطمأنتها إلي أن الله سبحانه وتعالي لا ينسي خلقه.. ولسوف يفتح لي من أبواب الرزق ما يعينني علي الوفاء بهذه الالتزامات.. وشكرتها بحرارة حين قدمت للمولود خمسين جنيها هي كل ما تملكه كنقوط له.. ودمعت عيناي والأختان تقدمان له مصرو
فهما الشهري كنقوط أيضا. وكأن أبواب السماء كانت مفتوحة علي مصراعيها حين قلت لأمي ما قلته, فبعد ميلاد طفلي بأسبوعين رفع التاجر الذي أمسك حساباته أجري إلي50 جنيها, وحصلت بتوصية منه علي حصة أخري لدي تاجر صديق له بخمسين جنيها شهريا!
ومضت بنا الحياة وأبي مصر علي تجاهلي وعدم الترحيب بي إذا زرته في البيت.. وزوجتي تواصل التهوين علي ونصحي بالصبر عليه لأنه أبي مهما فعل! لكن الحياة قاسية أكثر مما نعتقد في بعض الأحيان يا سيدي.. فلقد أبت أن تمضي بنا الأيام هادئة بالرغم من شظف العيش والحرمان.. فانهار جزء من البيت القديم المتهالك الذي أقيم فيه, ولولا لطف الله لكنا بين الضحايا فغادرته مع زوجتي وطفلي, وأقمت مع أسرة زوجتي في شقتهم المزدحمة بالأبناء.. ولم أفكر في اللجوء إلي مسكن أبي الواسع لعلمي بموقفه مني.., وبعد معاناة شديدة لم أجد حلا لمشكلة السكن سوي أن أطلب نقلي إلي فرع الهيئة في أحد مراكز الصعيد علي أمل أن أجد سكنا بالإيجار هناك, وسافرت إلي هناك وعملت في بلدة صغيرة ونجحت في العثور علي شقة بسيطة بالإيجار واستدعيت أسرتي وكررت في تلك البلدة ما فعلته في حي الخليفة.. وطفت علي التجار أعرض عليهم خدماتي كمحاسب وكاتب حسابات وخبير في الضرائب.. ونجحت بعد العناء في الحصول علي حصة واحدة لدي أحد تجار البلدة..

ولبعد المسافة وضيق ذات اليد وضرورة الادخار لسداد بعض الديون فلقد أمضيت ما يقرب من ثلاثة أعوام في هذه البلدة دون العودة إلي القاهرة وكنت خلال ذلك أواظب علي الاتصال بأمي والأختين تليفونيا.. وأكتب لهن الخطابات.. وأكتب لأبي أيضا كل اسبوعين رسالة فترد علي أمي والشقيقتان ولا يرد أبي أبدا. ثم ارتفعت حرارتي وأصبت بالحمي وتضاربت التشخيصات بين الملاريا وغيرها وتدهورت صحتي.. ونصحني طبيب المستشفي باستشارة أحد كبار الأطباء في العاصمة.. ورأيتها فرصة لكي تزور زوجتي أهلها فاصطحبتها والطفل بالقطار إلي القاهرة.. ونزلنا في بيت أصهاري.. واستشرت الطبيب وكتب لي علاجا مختلفا, واصطحبت زوجتي وطفلي وتوجهت إلي بيت أسرتي, ولسوء الحظ كان المصعد معطلا فحملت طفلي علي صدري لأن زوجتي حامل ولا تستطيع حمله.. وصعدنا السلم ودققت الجرس وأنا ألهث والعرق يتفصد من جبيني وطفلي فوق ذراعي وفتح الباب, فإذا بي أجدني أمام أبي وهو ينظر إلي في ذهول.. وينظر إلي الطفل الذي أحمله في استغراب.. وتجمد الموقف لحظات ثم قلت: السلام عليك يا أبي!
فنظر إلي صامتا ثم قال: ما هذا الشحوب في وجهك فأجبته: أني مريض يا أبي وجئت لاستشارة الطبيب في القاهرة, فمد ذراعيه وحمل عني الطفل وهو يتفحصه باهتمام شديد وجاءت أمي والأختان وصرخن حين رأينني ورأين الطفل وتخاطفنه وهو يضحك وينقل عينيه بينهن في سرور, ولأول مرة منذ بضع سنوات أشعر بذوبان بعض الجليد بين أبي وبيني, فلقد رحب بزوجتي ببعض الحرارة.. ولاعب الطفل ونظر متألما إلي ملابسي التي لم تتغير منذ أكثر من5 سنوات.. وسألني عن مرضي باهتمام وعن حياتي ودخلي.. وحين هممت بالانصراف انتحي بي جانبا ومد لي يده بمظروف به مبلغ كبير وهو يقول: هذا للعلاج وللدواء ولشراء بعض الملابس, فاعتذرت عن عدم أخذه منه وأصررت علي ذلك وقلت له إنني لا أريد منه سوي رضاه عني وعن زوجتي وحفيده وتمسكت برفض النقود شاكرا وقبلت يده وقبلت أمي وأختي وخرجنا وسافرنا إلي مقر عملي ولاحظت زوجتي بعد ذلك أن معنوياتي قد ارتفعت كثيرا.. وأن صحتي بدأت في التسحن تدريجيا وبعد ثلاثة أشهر ذهبت إلي عملي فقال لي رئيسي معاتبا: هل هانت عليك عشرتنا هكذا سريعا, واستفسرته عما يقول فأبلغني أنه قد صدر قرار بنقلي إلي القاهرة وأن هذا النقل بناء علي طلبي!
طلبي أنا؟ أنني لم أطلب نقلي للقاهرة.. وليس لي فيها سكن ولا أملك ما أوفر به مسكنا لي فيها فكيف أطلب نقلي؟
وعدت إلي البيت حزينا, ورويت لزوجتي ما حدث وشاركتني همي بهذا القرار وأشارت علي بأن أتصل بأبي لكي يستخدم نفوذه بالمصلحة في إلغاء قرار النقل واتصلت به, فإذا به يفاجئني بأنه هو الذي قدم لي طلب النقل باسمي.. وتابعه حتي تحقق..

فأجبته بأن هذا النقل كارثة بالنسبة لي لأنه ليس لي مسكن في القاهرة ولا أثاث بعد أن تخلصت منه بالبيع عند نقلي للصعيد, ففوجئت به يقول: بل لك سكن محترم وينتظرك عند العودة وطلب مني إبلاغه بموعد وصول القطار لكي ينتظرني.
وتوالت الأحداث بعد ذلك سريعا فلقد امتثلت للقرار وأخليت طرفي في العمل وبعت أثاثي القليل من جديد وحملت حقيبة ملابسنا وركبت القطار مع زوجتي وطفلي, ووصل القطار إلي محطة القاهرة فوجدت في انتظاري أبي وأمي والشقيقتين.. واستقبلونا بالعناق الحار وركبنا سيارة الأسرة إلي البيت, وتوقفت السيارة أمام عمارة في نفس الشارع ودعاني أبي للنزول ثم قادنا إلي شقة جميلة في الدور الثالث ودخلنا فوجدنا فيها كل شيء من الثلاجة إلي البوتاجاز إلي السخان إلي التليفزيون إلي حجرة السفرة إلي الأنتريه إلي غرفة النوم, بل ووجدنا أيضا غرفة نوم اضافية فيها سرير صغير للطفل, وأعطاني أبي فواتير الأجهزة والأثاث فإذا بها كلها مكتوبة باسمي.. وأعطاني عقد الشقة فإذا به أيضا مكتوب بأسمي, ووقعه أبي نيابة عني.. فلم أستطع حبس دموعي, وبكيت كما لم أبك في حياتي من قبل, وشاركتني أمي والشقيقتان وزوجتي البكاء, حتي نهرنا أبي ودعانا للذهاب إلي بيته لتناول الغداء, وهكذا انزاحت الغمة التي خيمت علي حياتي طوال ما يقرب من ست سنوات.. وعدت إلي أحضان أبي وأمي وأخوتي..

وتزوجت أختي الوسطي وكلفني أبي بالكثير من المهام الخاصة بزواجها وأديتها بسعادة كبيرة ورددت لها الجميل الذي قدمته إلي في أصعب الأوقات, فأعطيتها كل ما في يدي من نقود.. وأصبحنا نلتقي جميعا في بيت أبي يوم الجمعة علي مائدة الغداء, ويمرح طفلي بين جديه وعمتيه وزوج عمته الصديق الجديد لي واحتلت زوجتي بطيبة قلبها ودماثة طبعها ولسانها الحلو مكانة غالية في قلب أبي وأمي والأختين, وعاهدت أنا نفسي أن أمر كل يوم بعد عودتي من العمل علي بيت أبي لأطمئن عليه وعلي أمي وأختي الصغري قبل أن أذهب لبيتي, وهذه الزيارة لا تستغرق أكثر من15 أو20 دقيقة لكنها تسعد قلب أمي, وأختي وتسعد أبي وتشعره بأنني في خدمته في كل وقت وقد بدأ يعتمد علي في كثير من شئون الأرض الزراعية ويكلفني بالذهاب إليها كلما تطلب الأمر ذلك, وقد أحيل إلي المعاش منذ فترة.. ولهذا فهو يأمر زوجتي بأن ترسل إليه حفيده كل صباح ليقضي عدة ساعات معه بدلا من التفكير في ادخاله الحضانة, ويقضي أسعد أوقاته معه, وزوجتي الآن علي وشك أن تضع حملها الثاني..
ولقد كتبت إليك رسالتي هذه لأني كثيرا ما قرأت لك في ردودك تنصح الأبناء والبنات بألا يخرجوا علي طاعة الأهل.. وأن يتمسكوا دائما بالأمل في نيل رضا أبويهم عن اختياراتهم في الحياة.. وأن يصبروا علي الآباء والأمهات الغاضبين إلي أن ترق لهم قلوبهم ويمنحوهم مباركتهم لاختياراتهم.. وبالاستمرار في الحرص علي مودة الأبوين واسترضائهم والالتزام بتعاليم ربهم في حسن مصاحبتهم في الدنيا معروفا.. مهما فعلوا ولقد فعلت كل ذلك يا سيدي إيمانا واحتسابا, فرفع عني هذه الغمة وأعادني إلي أحضان أبي وأعاده إلي.. والفضل لله سبحانه وتعالي ولصبري علي أبي حتي صفت لي مشاعره.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ولكاتب هذه الرسالة أقول:
ترقبت طوال قراءتي لرسالتك اللحظة التي سيرق لك فيها قلب والدك فيستعيدك إلي أحضانه.. ويعوضك عما كان من أمره معك, ولم يساورني الشك أبدا في هذه الخاتمة السعيدة بالرغم من طول المعاناة والحرمان, وأسبابي لذلك هي أنك وإن كنت قد آثرت أن تختار حياتك لنفسك خلافا لما أراده لك والدك إلا أنك لم تشق عليه عصا الطاعة.. ولم تمض إلي ما أردته لنفسك غير عابيء به أو بمشاعره, وإنما حاولت جاهدا نيل رضاه واستأذنته في أن تمضي إلي ما اخترت لنفسك فأذن لك كارها, وقبلت بتحمل تبعات اختيارك بلا شكوي ولا أنين, وتحملت شظف العيش والحياة الجافة المحرومة مع زوجتك وطفلك ست سنوات طوال دون أن تفسد المرارة أو قسوة حياتك مشاعرك تجاه أبيك بل ودون أن تشعر بأي لوم له.. أو تقطع صلتك به أو تكف عن محاولة استرضائه ووصل رحمه وإحسان صحبته حتي وإن أبدي لك الجفاء المرة تلو المرة واستمسكت بالأمل في استعادة مودته ونيل صفحه إلي ما لا نهاية وأعانتك زوجتك الشابة بطيبة قلبها وسماحة, نفسها وخلوها من المرارة علي ترطيب مشاعرك دوما تجاهه ولم تتشك من صعوبات الحياة أو تشعرك بظلمه لك وحرمانه إياك من طيبات الحياة التي يملك أن يتيحها لك.. وحثتك دائما علي أن تحفظ له وده كأب ولو باعدك أو قبض يده عنك فكان حالك في صبرك علي ظروفك القاسية كحال الرجال الذين يتحملون تبعات اختياراتهم في الحياة بشرف ولا يتهمون أحدا بالمسئولية عما يقاسون من عناء, ويتعففون دائما عن الشكوي من سوء الحال خشية أن تقودهم الشكوي إلي اتهام أقدارهم مما يذكرنا بقول الشاعر القديم:

وقائلة ما بال لونك حائلا
فقلت لها خل الأمور كما هيا
إذا قلت عن زهد تمدحت خلتي
وإن قلت عن فقر شكوت الهيا

وبدلا من الشكوي والصراخ من ضيق الحال خرجت إلي الحياة تكافح في صبر لتكسب رزقك ورزق أسرتك الصغيرة.. وحين انهار منزلك القديم في الحي الشعبي لم ترفع الراية البيضاء وتستلم لظروفك, وإنما طلبت نقلك إلي بلدة صغيرة بالجنوب علي أمل أن تكون الحياة بها أرفق بك من الحياة في العاصمة الملتهبة.. فكيف لا يرفع الله سبحانه وتعالي عنك غمتك وهو القائل جل وعلا إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا أي سيجعل لهم سبحانه وتعالي قبولا ومودة لدي الآخرين, فإذا سألتني عن هذه الصالحات التي رشحتك لجائزة السماء لأجبتك علي الفور أنها كفاحك الشريف في الحياة لإعالة نفسك وزوجتك وطفلك, وصبرك علي المكاره وخلوك من كل مرارة تجاه أبيك.. وحرصك الدءوب علي وصل رحمك به بالرغم من مباعدته لك
وفي الحديث الشريف ما معناه: إن من الذنوب ذنوبا لا تكفرها الصلاة والصيام ويكفرها الغم بالعيال

فكيف إذن لا يراجع والدك موقفه منك وهو يراك تمضي في الحياة بصلابة الرجال وصبر المحتسبين ورضا القانعين بنصيبهم من الدنيا..
لقد أثبت له كل ما أراد أن يتحقق منه قبل أن يمنحك مباركته لاختيارك في الحياة, فأثبت له أنك رجل قادر علي تحمل المسئولية ومتمسك بما اخترت لنفسك ولو تحملت في سبيل ذلك العناء والحرمان, وراغب بصدق في الحياة العائلية الشريفة في ظلال تعاليم ربك ودينك, وحريص علي البر بأبويك وأختيك ولو كنت في أسوأ الظروف, فكيف لأب عاقل أن يحرم نفسه من ابن صالح مثلك؟

بل وكيف له أن يحرم نفسه من حفيد جميل أنعمت به عليه السماء ليؤنس شيخوخته ويجدد حياته.. ويجعل للأشياء معني جديدا ومختلفا, لقد قلت مرارا أن الآباء والأمهات يسلمون في النهاية باختيارات الأبناء حتي ولو لم يسعدوا بها إذا لمسوا صدق تمسكهم بها وجديتهم فيها وإصرارهم اللانهائي عليها واستعدادهم للتضحية من أجلها وتحمل التبعات المترتبة عليها بشرف, وها أنت أيها الشاب تؤكد لي من جديد صدق هذه النظرة.. حتي ولو كان والدك قد احتاج إلي ست سنوات طوال لكي يتأكد من جدية اختيارك لحياتك.. ورجولتك.. وكريم سجاياك وأخلاقياتك.. فهنيئا لك سعادتك بأسرتك الصغيرة وأسرتك الكبيرة.. وشكرا لك علي رسالتك الجميلة.
صورة: ‏كتب إليك وفاء لعهد قطعته علي نفسي أن أروي لك قصتي حين يلوح لي أول شعاع من الضوء, فأنا شاب في الثانية والثلاثين من العمر, نشأت في أسرة طيبة بين أب حازم وأم ربة بيت وأختين تصغرانني.. ولقد مضت طفولتي طبيعية وسعيدة إلا من بعض الفترات التي كان أبي يعاقبني فيها بقسوة علي هفوات الطفولة.. ويبرر شدته معي بأنني الولد الوحيد وينبغي أن أكون المثل الأعلي للأختين.. ولهذا السبب لم يكن يقبل مني أي تهاون أو خروج عن القواعد المرعية.. وفي هذا الجو الصارم نشأت.. وأنهيت دراستي الثانوية والتحقت بالجامعة.. وخلال السنة الأخيرة, اقتربت من زميلة لي.. لفتت نظري بدماثة طبعها وهدوئها وجمالها المريح, وشيئا فشيئا تقاربنا.. وتعاهدنا علي الزواج بعد التخرج.. وصارحتني فتاتي منذ البداية بكل شيء عنها, فعرفت أن والدها تاجر صغير مثقل بالأبناء ودخله لا يكاد يفي باحتياجات الأسرة إلا بصعوبة شديدة, وعرفت هي أن والدي مدير عام بإحدي الهيئات ويعتمد في حياته علي الأرض الزراعية التي ورثها عن أبيه, وأنه الآمر الناهي في حياة أسرته.. وتخوفت فتاتي كثيرا من ألا تلقي القبول منه بسبب بساطة حالها بالمقارنة بأسرتي, لكنني طمأنتها إلي أنه ـ بالرغم من شدته البادية ـ رجل طيب ويرغب في سعادتي.. وأنهيت دراستي, وكلفني أبي ببعض الأعمال في أرضه الزراعية إلي حين إيجاد عمل لي, ونجح بعد عام من تخرجي في تعييني بوظيفة في نفس المصلحة التي يعمل بها, وبدأت أفكر في مفاتحته في أمر فتاتي التي أرغب في الارتباط بها.. وقبل أن أفعل فوجئت به يطرح علي فكرة خطبة ابنة ابن عمه الذي يتولي رعاية مصالحه في الأرض الزراعية والبلدة ويملك ثلاثين فدانا وراح أبي يعدد لي مزايا هذا الاختيار الحكيم من وجهة نظره.. وكيف أنه سيحقق المصلحة للجميع, فالعروس طالبة بالثانوية العامة وجميلة ومن أسرة عريقة ووالدها ثري ومحترم, وسوف يوثق هذا الزواج روابطه بأبي فيزداد إخلاصا في رعاية مصالحنا بالبلدة.. إلخ, وانعقد لساني فلم أستطع النطق بكلمة واحدة.. وأعتبر أبي صمتي هذا قبولا فمضي في تنفيذها ووجدت الأمور تزداد تعقيدا.. فصارحت أمي بأنني أحب فتاة أخري وعاهدتها علي الزواج.. وتحدثت أمي مع أبي فانفجرت الزلازل والبراكين في حياتنا العائلية, واستدعاني أبي وراح يستجوبني عن تاريخ هذه الجريمة, ومتي بدأت وكيف جرؤت علي ارتكابها وأنا أجيب بصوت خائف ومتردد, ثم انتقل بعد ذلك إلي السؤال عن الفتاة وأسرتها وأبيها ومستواها الاجتماعي والمادي, وكلما أجبته علي سؤال اشتد حنقه حتي هم بأن يبطش بي لولا أن صرخت أمي وتدخلت بيني وبينه لأول مرة في حياتها قائلة له إنني قد صرت شابا ولا يجوز له أن يضربني كالأطفال..وشهدت أسرتنا أزمة عائلية عنيفة بين أبي وأمي, وغضب أبي غضبا هائلا حتي أنه هجر البيت وانتقل للإقامة في البيت الريفي الصغير الذي يقع وسط أرضه, ولم تنجح محاولاتنا لاستعطافه وإقناعه بالعودة إلا بعد أن قبلت يده ورأسه ووعدته بأن أفعل ما يريد ولو كنت به شقيا, ورجع أبي إلي البيت لكنه رجع شخصا آخر متجهما وحزينا وصامتا علي الدوام, وبعد عدة أسابيع أبلغني بأن أستعد للسفر معه إلي البلدة لخطبة ابنة قريبه فاسود وجهي.. والتزمت الصمت.. فسألني: ألا ترغب حقا في الزواج منها! فطفر الدمع من عيني ولم أتكلم.. فنظر إلي طويلا ثم قال لي: إذن فافعل بحياتك ما تشاء, ولكن لا تنتظر مني أية مساعدة في زواجك, وقلت له إنني أقبل ألا يساعدني ماديا في الزواج مادام هذا هو قراره, لكني أطمع في ألا يحرمني من شرف وجوده معي عند التقدم لأهل فتاتي, وعند الزواج.. كما أطمع ألا يحرمني من وجود أمي والأختين معي في هذه المناسبة. وانتظرت كلمته بقلب خافق فأجابني بأنه لن يمنع أمي وأختي من مصاحبتي إلي أهل الفتاة.. ولا من حضور الزواج لكنه لن يحضره هو ولن يشارك فيه! وعبثا حاولت بعد ذلك يا سيدي أن أستعطفه لكي يغير رأيه أو يلين قلبه, وفشلت محاولات أمي والأختين معه وكل أقاربه, وزاد الموقف سوءا بتقدم شاب ملائم لفتاتي, مما اضطرني للتحرك قبل فوات الأوان فاستجمعت أرادتي واصطحبت أمي والأختين إلي بيت الفتاة وطلبت يدها.. وصارحت والدها بكل شيء وبأني سأعتمد علي نفسي في الزواج, ولن يساعدني أبي في شيء.. وتفهم الرجل الموقف لكنه رفض أن يقبل عقد القران في غير حضور أبي.. وبدأت معركة جديدة مع أبي لإقناعه بأن يظهر فقط لمدة نصف الساعة يوم عقد القران استكمالا للشكل الاجتماعي.. وبعد جهود مضنية وافق علي ذلك وباعت أمي بعض مصاغها لتساعدني بثمنه علي تكاليف الزواج, وقدمت لي أختي الوسطي سلسلتها الذهبية وهي ترجو لي السعادة وقدمت أختي الصغري خاتمها وجنيها ذهبيا كانت قد حصلت عليه من أبي عند نجاحها في الإعدادية, ورفضت في البداية أن آخذ ذهب الأختين شاكرا لهما مشاعرهما الصادقة لكنهما لم تتركاني إلا بعد أن أخذته وساعدني والد خطيبتي في استئجار شقة شعبية صغيرة بمنزل قديم بالقرب من متجره الصغير في حي الخليفة.. وبدأت حياتي الزوجية مع زوجتي ونهلت من نبع السعادة معها وتعزينا عن ضيق ذات اليد وتواضع الأثاث وبؤس الحال بالحب المتبادل بيننا والعطف. وبعد شهر من الزواج اصطحبت زوجتي يوم الجمعة وذهبت إلي بيت أبي. فصرخت أمي من الفرحة حين رأتني.. وفعلت نفس الشيء الشقيقتان.. أما أبي فقد مد لي ولزوجتي يده صامتا.. ثم دخل غرفة نومه وأغلقها عليه حتي غادرنا الشقة.. ولاحظت زوجتي في طريق العودة اكتئابي وحزني, فهونت علي الأمر بابتسامتها الطيبة وقالت لي إن القلوب تلين ولو بعد حين.. ثم حملت زوجتي وكثرت مطالب الحياة, فطفت علي المحلات التجارية الصغيرة المجاورة لمسكني أعرض علي أصحابها إمساك دفاترها وإجراء حساباتها وإنهاء مشاكلها مع الضرائب لقاء مبلغ بسيط, وحصلت علي حصة في أحد المحلات مقابل ثلاثين جنيها في الشهر وأصبحت أخرج بعد الظهر إلي هذا المحل وأقوم بإعداد حساباته وأرجع إلي مسكني, ووفقني الله في إنهاء مشكلة لصاحبه مع الضرائب فكافأني عليها بخمسين جنيها كانت بالنسبة لي بمثابة كنز هبط علي من السماء.. وفاجأ المخاض زوجتي فحملتها إلي المستشفي الحكومي ووضعت حملها بسلام وتشجعت بمجيء وليدي وأول حفيد لأبي, فزرت والدي ودعوته لأن يشرف حفل السبوع المتواضع الذي سأقيمه له فرفض بإصرار مرة أخري.. فرجوته أن يسمح لأمي والأختين بحضوره ولم يعارض.. واحتفلنا بسبوع المولود, وغصة في قلبي لغياب أبي.. وسألتني أمي مشفقة عما سأفعل في تكاليف المولود وثمن اللبن وأجر طبيب الأطفال وخلافه, فطمأنتها إلي أن الله سبحانه وتعالي لا ينسي خلقه.. ولسوف يفتح لي من أبواب الرزق ما يعينني علي الوفاء بهذه الالتزامات.. وشكرتها بحرارة حين قدمت للمولود خمسين جنيها هي كل ما تملكه كنقوط له.. ودمعت عيناي والأختان تقدمان له مصرو فهما الشهري كنقوط أيضا. وكأن أبواب السماء كانت مفتوحة علي مصراعيها حين قلت لأمي ما قلته, فبعد ميلاد طفلي بأسبوعين رفع التاجر الذي أمسك حساباته أجري إلي50 جنيها, وحصلت بتوصية منه علي حصة أخري لدي تاجر صديق له بخمسين جنيها شهريا! ومضت بنا الحياة وأبي مصر علي تجاهلي وعدم الترحيب بي إذا زرته في البيت.. وزوجتي تواصل التهوين علي ونصحي بالصبر عليه لأنه أبي مهما فعل! لكن الحياة قاسية أكثر مما نعتقد في بعض الأحيان يا سيدي.. فلقد أبت أن تمضي بنا الأيام هادئة بالرغم من شظف العيش والحرمان.. فانهار جزء من البيت القديم المتهالك الذي أقيم فيه, ولولا لطف الله لكنا بين الضحايا فغادرته مع زوجتي وطفلي, وأقمت مع أسرة زوجتي في شقتهم المزدحمة بالأبناء.. ولم أفكر في اللجوء إلي مسكن أبي الواسع لعلمي بموقفه مني.., وبعد معاناة شديدة لم أجد حلا لمشكلة السكن سوي أن أطلب نقلي إلي فرع الهيئة في أحد مراكز الصعيد علي أمل أن أجد سكنا بالإيجار هناك, وسافرت إلي هناك وعملت في بلدة صغيرة ونجحت في العثور علي شقة بسيطة بالإيجار واستدعيت أسرتي وكررت في تلك البلدة ما فعلته في حي الخليفة.. وطفت علي التجار أعرض عليهم خدماتي كمحاسب وكاتب حسابات وخبير في الضرائب.. ونجحت بعد العناء في الحصول علي حصة واحدة لدي أحد تجار البلدة.. ولبعد المسافة وضيق ذات اليد وضرورة الادخار لسداد بعض الديون فلقد أمضيت ما يقرب من ثلاثة أعوام في هذه البلدة دون العودة إلي القاهرة وكنت خلال ذلك أواظب علي الاتصال بأمي والأختين تليفونيا.. وأكتب لهن الخطابات.. وأكتب لأبي أيضا كل اسبوعين رسالة فترد علي أمي والشقيقتان ولا يرد أبي أبدا. ثم ارتفعت حرارتي وأصبت بالحمي وتضاربت التشخيصات بين الملاريا وغيرها وتدهورت صحتي.. ونصحني طبيب المستشفي باستشارة أحد كبار الأطباء في العاصمة.. ورأيتها فرصة لكي تزور زوجتي أهلها فاصطحبتها والطفل بالقطار إلي القاهرة.. ونزلنا في بيت أصهاري.. واستشرت الطبيب وكتب لي علاجا مختلفا, واصطحبت زوجتي وطفلي وتوجهت إلي بيت أسرتي, ولسوء الحظ كان المصعد معطلا فحملت طفلي علي صدري لأن زوجتي حامل ولا تستطيع حمله.. وصعدنا السلم ودققت الجرس وأنا ألهث والعرق يتفصد من جبيني وطفلي فوق ذراعي وفتح الباب, فإذا بي أجدني أمام أبي وهو ينظر إلي في ذهول.. وينظر إلي الطفل الذي أحمله في استغراب.. وتجمد الموقف لحظات ثم قلت: السلام عليك يا أبي! فنظر إلي صامتا ثم قال: ما هذا الشحوب في وجهك فأجبته: أني مريض يا أبي وجئت لاستشارة الطبيب في القاهرة, فمد ذراعيه وحمل عني الطفل وهو يتفحصه باهتمام شديد وجاءت أمي والأختان وصرخن حين رأينني ورأين الطفل وتخاطفنه وهو يضحك وينقل عينيه بينهن في سرور, ولأول مرة منذ بضع سنوات أشعر بذوبان بعض الجليد بين أبي وبيني, فلقد رحب بزوجتي ببعض الحرارة.. ولاعب الطفل ونظر متألما إلي ملابسي التي لم تتغير منذ أكثر من5 سنوات.. وسألني عن مرضي باهتمام وعن حياتي ودخلي.. وحين هممت بالانصراف انتحي بي جانبا ومد لي يده بمظروف به مبلغ كبير وهو يقول: هذا للعلاج وللدواء ولشراء بعض الملابس, فاعتذرت عن عدم أخذه منه وأصررت علي ذلك وقلت له إنني لا أريد منه سوي رضاه عني وعن زوجتي وحفيده وتمسكت برفض النقود شاكرا وقبلت يده وقبلت أمي وأختي وخرجنا وسافرنا إلي مقر عملي ولاحظت زوجتي بعد ذلك أن معنوياتي قد ارتفعت كثيرا.. وأن صحتي بدأت في التسحن تدريجيا وبعد ثلاثة أشهر ذهبت إلي عملي فقال لي رئيسي معاتبا: هل هانت عليك عشرتنا هكذا سريعا, واستفسرته عما يقول فأبلغني أنه قد صدر قرار بنقلي إلي القاهرة وأن هذا النقل بناء علي طلبي! طلبي أنا؟ أنني لم أطلب نقلي للقاهرة.. وليس لي فيها سكن ولا أملك ما أوفر به مسكنا لي فيها فكيف أطلب نقلي؟ وعدت إلي البيت حزينا, ورويت لزوجتي ما حدث وشاركتني همي بهذا القرار وأشارت علي بأن أتصل بأبي لكي يستخدم نفوذه بالمصلحة في إلغاء قرار النقل واتصلت به, فإذا به يفاجئني بأنه هو الذي قدم لي طلب النقل باسمي.. وتابعه حتي تحقق.. فأجبته بأن هذا النقل كارثة بالنسبة لي لأنه ليس لي مسكن في القاهرة ولا أثاث بعد أن تخلصت منه بالبيع عند نقلي للصعيد, ففوجئت به يقول: بل لك سكن محترم وينتظرك عند العودة وطلب مني إبلاغه بموعد وصول القطار لكي ينتظرني. وتوالت الأحداث بعد ذلك سريعا فلقد امتثلت للقرار وأخليت طرفي في العمل وبعت أثاثي القليل من جديد وحملت حقيبة ملابسنا وركبت القطار مع زوجتي وطفلي, ووصل القطار إلي محطة القاهرة فوجدت في انتظاري أبي وأمي والشقيقتين.. واستقبلونا بالعناق الحار وركبنا سيارة الأسرة إلي البيت, وتوقفت السيارة أمام عمارة في نفس الشارع ودعاني أبي للنزول ثم قادنا إلي شقة جميلة في الدور الثالث ودخلنا فوجدنا فيها كل شيء من الثلاجة إلي البوتاجاز إلي السخان إلي التليفزيون إلي حجرة السفرة إلي الأنتريه إلي غرفة النوم, بل ووجدنا أيضا غرفة نوم اضافية فيها سرير صغير للطفل, وأعطاني أبي فواتير الأجهزة والأثاث فإذا بها كلها مكتوبة باسمي.. وأعطاني عقد الشقة فإذا به أيضا مكتوب بأسمي, ووقعه أبي نيابة عني.. فلم أستطع حبس دموعي, وبكيت كما لم أبك في حياتي من قبل, وشاركتني أمي والشقيقتان وزوجتي البكاء, حتي نهرنا أبي ودعانا للذهاب إلي بيته لتناول الغداء, وهكذا انزاحت الغمة التي خيمت علي حياتي طوال ما يقرب من ست سنوات.. وعدت إلي أحضان أبي وأمي وأخوتي.. وتزوجت أختي الوسطي وكلفني أبي بالكثير من المهام الخاصة بزواجها وأديتها بسعادة كبيرة ورددت لها الجميل الذي قدمته إلي في أصعب الأوقات, فأعطيتها كل ما في يدي من نقود.. وأصبحنا نلتقي جميعا في بيت أبي يوم الجمعة علي مائدة الغداء, ويمرح طفلي بين جديه وعمتيه وزوج عمته الصديق الجديد لي واحتلت زوجتي بطيبة قلبها ودماثة طبعها ولسانها الحلو مكانة غالية في قلب أبي وأمي والأختين, وعاهدت أنا نفسي أن أمر كل يوم بعد عودتي من العمل علي بيت أبي لأطمئن عليه وعلي أمي وأختي الصغري قبل أن أذهب لبيتي, وهذه الزيارة لا تستغرق أكثر من15 أو20 دقيقة لكنها تسعد قلب أمي, وأختي وتسعد أبي وتشعره بأنني في خدمته في كل وقت وقد بدأ يعتمد علي في كثير من شئون الأرض الزراعية ويكلفني بالذهاب إليها كلما تطلب الأمر ذلك, وقد أحيل إلي المعاش منذ فترة.. ولهذا فهو يأمر زوجتي بأن ترسل إليه حفيده كل صباح ليقضي عدة ساعات معه بدلا من التفكير في ادخاله الحضانة, ويقضي أسعد أوقاته معه, وزوجتي الآن علي وشك أن تضع حملها الثاني.. ولقد كتبت إليك رسالتي هذه لأني كثيرا ما قرأت لك في ردودك تنصح الأبناء والبنات بألا يخرجوا علي طاعة الأهل.. وأن يتمسكوا دائما بالأمل في نيل رضا أبويهم عن اختياراتهم في الحياة.. وأن يصبروا علي الآباء والأمهات الغاضبين إلي أن ترق لهم قلوبهم ويمنحوهم مباركتهم لاختياراتهم.. وبالاستمرار في الحرص علي مودة الأبوين واسترضائهم والالتزام بتعاليم ربهم في حسن مصاحبتهم في الدنيا معروفا.. مهما فعلوا ولقد فعلت كل ذلك يا سيدي إيمانا واحتسابا, فرفع عني هذه الغمة وأعادني إلي أحضان أبي وأعاده إلي.. والفضل لله سبحانه وتعالي ولصبري علي أبي حتي صفت لي مشاعره.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ولكاتب هذه الرسالة أقول: ترقبت طوال قراءتي لرسالتك اللحظة التي سيرق لك فيها قلب والدك فيستعيدك إلي أحضانه.. ويعوضك عما كان من أمره معك, ولم يساورني الشك أبدا في هذه الخاتمة السعيدة بالرغم من طول المعاناة والحرمان, وأسبابي لذلك هي أنك وإن كنت قد آثرت أن تختار حياتك لنفسك خلافا لما أراده لك والدك إلا أنك لم تشق عليه عصا الطاعة.. ولم تمض إلي ما أردته لنفسك غير عابيء به أو بمشاعره, وإنما حاولت جاهدا نيل رضاه واستأذنته في أن تمضي إلي ما اخترت لنفسك فأذن لك كارها, وقبلت بتحمل تبعات اختيارك بلا شكوي ولا أنين, وتحملت شظف العيش والحياة الجافة المحرومة مع زوجتك وطفلك ست سنوات طوال دون أن تفسد المرارة أو قسوة حياتك مشاعرك تجاه أبيك بل ودون أن تشعر بأي لوم له.. أو تقطع صلتك به أو تكف عن محاولة استرضائه ووصل رحمه وإحسان صحبته حتي وإن أبدي لك الجفاء المرة تلو المرة واستمسكت بالأمل في استعادة مودته ونيل صفحه إلي ما لا نهاية وأعانتك زوجتك الشابة بطيبة قلبها وسماحة, نفسها وخلوها من المرارة علي ترطيب مشاعرك دوما تجاهه ولم تتشك من صعوبات الحياة أو تشعرك بظلمه لك وحرمانه إياك من طيبات الحياة التي يملك أن يتيحها لك.. وحثتك دائما علي أن تحفظ له وده كأب ولو باعدك أو قبض يده عنك فكان حالك في صبرك علي ظروفك القاسية كحال الرجال الذين يتحملون تبعات اختياراتهم في الحياة بشرف ولا يتهمون أحدا بالمسئولية عما يقاسون من عناء, ويتعففون دائما عن الشكوي من سوء الحال خشية أن تقودهم الشكوي إلي اتهام أقدارهم مما يذكرنا بقول الشاعر القديم: وقائلة ما بال لونك حائلا فقلت لها خل الأمور كما هيا إذا قلت عن زهد تمدحت خلتي وإن قلت عن فقر شكوت الهيا وبدلا من الشكوي والصراخ من ضيق الحال خرجت إلي الحياة تكافح في صبر لتكسب رزقك ورزق أسرتك الصغيرة.. وحين انهار منزلك القديم في الحي الشعبي لم ترفع الراية البيضاء وتستلم لظروفك, وإنما طلبت نقلك إلي بلدة صغيرة بالجنوب علي أمل أن تكون الحياة بها أرفق بك من الحياة في العاصمة الملتهبة.. فكيف لا يرفع الله سبحانه وتعالي عنك غمتك وهو القائل جل وعلا إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا أي سيجعل لهم سبحانه وتعالي قبولا ومودة لدي الآخرين, فإذا سألتني عن هذه الصالحات التي رشحتك لجائزة السماء لأجبتك علي الفور أنها كفاحك الشريف في الحياة لإعالة نفسك وزوجتك وطفلك, وصبرك علي المكاره وخلوك من كل مرارة تجاه أبيك.. وحرصك الدءوب علي وصل رحمك به بالرغم من مباعدته لك وفي الحديث الشريف ما معناه: إن من الذنوب ذنوبا لا تكفرها الصلاة والصيام ويكفرها الغم بالعيال فكيف إذن لا يراجع والدك موقفه منك وهو يراك تمضي في الحياة بصلابة الرجال وصبر المحتسبين ورضا القانعين بنصيبهم من الدنيا.. لقد أثبت له كل ما أراد أن يتحقق منه قبل أن يمنحك مباركته لاختيارك في الحياة, فأثبت له أنك رجل قادر علي تحمل المسئولية ومتمسك بما اخترت لنفسك ولو تحملت في سبيل ذلك العناء والحرمان, وراغب بصدق في الحياة العائلية الشريفة في ظلال تعاليم ربك ودينك, وحريص علي البر بأبويك وأختيك ولو كنت في أسوأ الظروف, فكيف لأب عاقل أن يحرم نفسه من ابن صالح مثلك؟ بل وكيف له أن يحرم نفسه من حفيد جميل أنعمت به عليه السماء ليؤنس شيخوخته ويجدد حياته.. ويجعل للأشياء معني جديدا ومختلفا, لقد قلت مرارا أن الآباء والأمهات يسلمون في النهاية باختيارات الأبناء حتي ولو لم يسعدوا بها إذا لمسوا صدق تمسكهم بها وجديتهم فيها وإصرارهم اللانهائي عليها واستعدادهم للتضحية من أجلها وتحمل التبعات المترتبة عليها بشرف, وها أنت أيها الشاب تؤكد لي من جديد صدق هذه النظرة.. حتي ولو كان والدك قد احتاج إلي ست سنوات طوال لكي يتأكد من جدية اختيارك لحياتك.. ورجولتك.. وكريم سجاياك وأخلاقياتك.. فهنيئا لك سعادتك بأسرتك الصغيرة وأسرتك الكبيرة.. وشكرا لك علي رسالتك الجميلة.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
من راوئع المبدع عبد الوهاب مطاوع
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» التحدى=============== المبدع عبد الوهاب مطاوع=======
» من كلمات الراحل المبدع عبد الوهاب مطاوع
» من روائع المبدع عبد الوهاب مطاوع صراع الديناصورات
» ((( الاسئله الصامته)))) المبدع عبد الوهاب مطاوع ارائكم
» من روائع المبدع عبد الوهاب مطاوع السهام الناريه

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
عالمنا بلا حدود نبتدى منين الحوار :: طرح قضايا معاصره للمناقشه-
انتقل الى: