دوائر الدوامة !
أرجو أن يتسع صدرك لمشكلتي لأني في أشد الحاجة إلى مشورتك ، فأنا شاب في الثلاثين من عمري أعمل بالتعليم ، ومن أسرة طيبة ، ومنذ أربع سنوات أعجبت بفتاة كانت تتلقى مني درسا خاصا وهي في السنة الأولى بكليتها الجامعية ووجدت فيها كل المواصفات التي أتمناها في شريكة حياتي ، فتحدثت إليها برغبتي في الارتباط بها ووجدتها قد سبقتني إلى الإعجاب بشخصي وتتمنى الارتباط بي ، غير أنه كانت هناك مشكلة هي أن والدها يرفض أن ترتبط بأحد قبل أن تنهي دراستها وتتخرج مع وعد منه لها بأن يزوجها ممن تختاره لنفسها إذا التزمت بشرطه.
وأكدت لها استعدادي لانتظارها أربع سنوات حتى تتخرج ويتحقق شرط والدها وتعاهدنا على ذلك ثم سافرت بعد بضعة شهور للعمل بإحدى الدول العربية وظللت على عهدي لفتاتي.
وترقبت مرور الشهور والسنين لكي أتقدم إليها ، حين بلغت هي السنة الثالثة الجامعية فاتحت والدها برغبتي ، فرحب بي أشد الترحيب وطلب مني الانتظار للعام المقبل حتى تتخرج ووعدني بأن تكون ابنته لي وليس لأحد غيري ، واطمأننت إلى وعده وسافرت إلى عملي وتواصلت الرسائل بيني وبينها ، ورجعت في أجازة العام التالي .....وتحدثت إلى عم فتاتي برغبتي في تحديد موعد مع شقيقه لأتقدم إليه مع أسرتي طالبا يد ابنته ، ووعدنا العم خيرا....وبعد ساعات رجع إلى بالرد، فإذا به الرفض القاطع الباتر بلا أسباب ولا مبررات ، وأصابني الذهول ودهش معي أهلي الذين كانوا قد عرفوا فتاتي خلال السنين الماضية وأحبوها وتعلقوا بها وكانت تقوم بزيارتهم خلال سفري ، وحرت فيما أفعل إزاء هذه المفاجأة غير السارة وحاولت أن أعرف سبب الرفض ، فعرفت أن والد الفتاة قد اتفق مع أحد أقاربه على تزويجها له وأنها في حالة نفسية سيئة لكنها لا تستطيع إقناع أبيها بالوفاء بوعده إياها ألا ترتبط إلا بمن تختاره ، ولم استسلم لليأس من تغيير موقفه ووسطت لديه كل من آنست منه استعدادا للتدخل في الموضوع ، فأصر على رأيه إصرار غريبا ، وحاولت الفتاة معه بكل ما أوتيت من جهد ، فكان رده على كل محاولة من جانبها إقناعه بقبولي هو الضرب المبرح واشتد ضيقي وكربي إلى أن جاء يوم وقالت لي فتاتي إنه لا فائدة من المحاولة مع أبيها لأنه عنيف للغاية وعنيد ويريد على حد تعبيرها أن " يبيعها " لمن يستطيع أن يدفع أكثر ونصحتني النصيحة اليائسة بألا أضيع ما بقى من إجازتي في محاولة نطح الصخر الذي لا يلين ، وأن أرتبط بفتاة غيرها.
وفى فترة ضيق بكل شيء سلمت باليأس من فتاتي ، وحاولت شغل فكري عنها بالارتباط بغيرها....وبالفعل تقدمت إلى صديقة لها لا تعرف عن قصتنا شيئا سوى أنني تقدمت لطلب يدها ورفض والدها طلبي...ورحب بي والد الصديقة لكنه أصر على ألا تكون هناك فترة خطبة وأن أعقد القران على الفور ولم أجد مانعا من تلبية رغبته ، فتمت الخطبة وعقد القران خلال أسبوع واحد ، وانتظرت أن تشغلني هذه الخطوة عن فتاتي السابقة وأستريح من التفكير فيها ، فلم يتحقق ذلك وظللت مشغول الفكر بها بالرغم من عقد قراني على خطيبتي وخطبة فتاتي على قريبها وازدادت فترات صمتي وانشغال فكرى وأنا مع خطيبتي ، فلم أجد مفرا من مصارحتها بما أعانيه ووجدت لديها صدرا رحبا لهمومي وحاولت التخفيف عني بقدر الإمكان ، بل وحاولت أيضا أن تكون واقعية وأن تساعدني على تقبل الحقائق ، فأبلغتني أن فتاتي مريضة وأنها لن تغضب إذا اتصلت بها للاطمئنان عليها قبل سفري إلى عملي ، واتصلت بفتاتي السابقة ووجدتها في حالة سيئة ، فضعفت إرادتي واعترفت لها بأنني ما زلت أحبها ولا أستطيع نسيانها والبعد عنها...فقالت لي بصوت حزين أنه قد فات أوان هذا الحديث وأنه على كل منا أن يتقبل أقداره ، ويكفيها أنها لم ترفضني بإرادتها ولم تقبل خطيبها الذي لم تشعر معه بالانسجام حتى الآن برغبتها ....وسافرت مضطربا و مهموما ....وبعد سفري بفترة قصيرة رحل والد فتاتي الأولى عن الحياة ، وطلبت منى خطيبتي في اتصال تليفوني بيننا أن أواسيها في فقده ، فتعجبت لتصاريف القدر ... وازداد شعوري بالندم على تسرعي في عقد قراني على فتاة أخرى سواها.... وأصبح شاغلي الأكبر منذ ذلك الحين هو كيف استطيع حل مشكلتي بغير أن أظلم خطيبتي التي احتوت انشغال فكرى بغيرها .... ولا ترفض أن تكون زوجه ثانية إذا كان ذلك سوف يسعدني ويحقق راحتي ، فماذا أفعل يا سيدي وكيف أخرج من دوائر هذه الدوامة التي تدور بي بعنف منذ علمت بوفاة والد فتاتي الأولى ؟
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
إذا كنت في رد سابق قد أدنت الاختيار العاطفي لزوج عاشر زوجته 22 عاما ، فلم ينكر عليها شيئا ، وزوجة عاشرت زوجها ربع قرن من الزمان بلا مشاكل جدية ، فما أن التقى كل منهما بالآخر بعد غيبة سنين حتى تجدد الحب القديم الذي سبق زواج كل منهما.... وهجر الرجل زوجته وأبناءه الشباب الذي يرون فيه مثلهم الأعلى وهجرت المرأة زوجها وأبناءها الثلاثة الذين يرون فيها رمز الأم والعطاء وارتبط كل منهما بالآخر بالزواج وراحا ينهلان من نبع السعادة الأنانية على حساب عدد كبير من الضحايا ، إذا كنت قد أدنت هذا الاختيار لكثرة من تساقطوا على جانبي الطريق إليه من الضحايا الأبرياء الذين لا ذنب لهم ولا جريرة في أن الحياة كانت قبل ربع قرن من الزمان قد حالت بين طرفي القصة وبين اجتماع شملهم قبل زواج كل منهما من آخر وإنجابه ، فإني لا أستطيع أن أدين اختيارك العاطفي هذه المرة اخترت تصحيح خطأ مازال في الإمكان تصحيحه بغير أن يدفع ثمن تداركه ضحايا كثيرون من الأبناء وشركاء الحياة .... فإن يا صديقي لم تبن بعد بخطيبتك الحالية حتى لو كنت قد عقدت قرانك عليها ، وفتاتك كذلك لم تتزوج ممن أرغمها والدها على الارتباط به ولم تتأبد روابطها معه بالإنجاب حتى الآن ومن صالح كل الأطراف في هذه القصة ألا تتفاقم الأخطاء ويصبح لها ضحايا حائرون في المدى القريب كما أنه ليس من الحكمة تعذيب النفس والغير بأن ترتبط بمن ينشغل عنها فكرك وقلبك بغيرها ولا هو من صالح خطيب فتاتك الأولى أن تواصل طريق الارتباط به وقلبها يهفو إلى غيره ويرجوه ، فكل بناء يقام على غير أساس متين يتعرض للانهيار عند أول عاصفة ، ولا داعي لتكرار الأخطاء البشرية ...وامتحان النفس والغير بمحنة معايشة الإنسان لمن لا يحبه ، فإذا التقى ذات يوم بعيد أو قريب بمن حالت دونه الحياة تجدد الشوق القديم واضطربت الحياة العائلية ...وصدق عليه قول الشاعر :
ذو الشوق القديم وإن تسلى مشوق حين يلقى العاشقينا
وإذا كان من مقدور المرء أن يحيا الحياة الطبيعية مع من يحب ويقصر طرفه وحبه وفكره ويفرغ قلبه ممن عداه ، فما معنى أن يعذب المرء النفس والغير بالارتباط بهم ومكابدة العيش معهم على غير رغبة حقيقية منه ... وفى ذلك من الظلم لهؤلاء الغير قبل أن يكون للنفس ذاتها؟
إنني لا أنصحك أبدا بقبول " تضحية " خطيبتك لك باستمرارها في حياتك مع ارتباطك بفتاتك الأولى إذا كانت في ذلك سعادتك....فالحق أنني لم أفهم هذه " الواقعية " التي تتحدث عنها حين تروى عن خطيبتك أنها تحثك على الاتصال بفتاتك وتقبل بأن تكون زوجة ثانية لك معها ، ولا أرى فيها انكسارا إنسانيا لا يليق بك أن ترضاه لها وأرى فيها عجزا من جانبها عن تغيير ما تكرهه لنفسها كأية فتاة أخرى ، ومخالفة لطبائع النفس البشرية لن تصمد كثيرا للتظاهر بالقبول بها راغمة طلبا لإتمام الزواج منك ، ثم لا يمضى وقت طويل إلا وتتفجر المشاكل ويزداد الموقف تعقيدا ، وخاصة أن فتاتك الأولى لن تقبل ومهما كان حبها لك حقيقيا وصادقا أن تتزوج بك وأنت زوج لأخرى لم تبن بها بعد ولم تنجب منها وليس هناك ما يعوقك عن الاعتذار لها عن فصم الرابطة التي تجمعك بها والتفرغ بكليتك لمن ترغبها ... إن الإنسان حين تشتد رغبته في الأشياء قد تضعف حيلته أمامها وقد يبدى من المرونة والاستعداد للتضحية المهينة لنيلها ما لم يتوقعه هو من نفسه ....لكن النفس سرعان ما تتمرد على ضعفها السابق إذا تعلق الأمر بالعواطف ويندم على سابق قبوله لما لم يكن يرضاه لنفسه لولا أن كان في الموقف الأضعف ويطلب بشدة ما يريده لنفسه ...
فتبدأ الصراعات وتتصاعد المشاكل ... فما حاجتك أنت وخطيبتك الحالية إلى كل هذا العناء ولماذا تقفز أنت بإرادتك هذه المرة إلى بؤرة دوامة جديدة قد تدور بك سنوات ثمينة من العمر ويكون لها ضحايا آخرون من الأبناء الحائرين في المستقبل ؟
إن مقدورك الآن أن تتعلق بطوق نجاة يخرج بك أنت وبخطيبتك من دوائر الدوامة إلى شاطئ الأمان ...وذلك بأن ترفض شاكرا تضحيتها الممرورة هذه لك وتعتذرلها عن عدم الاستمرار في الارتباط بها وقلبك يهفو إلى غيرها لأن في ذلك ظلما بينا لها وتعوضها بكرم وسخاء عن الأضرار المعنوية والنفسية التي ستتكبدها بانفصالك عنها ، ثم تستكشف استعداد فتاتك الأولى للارتباط بك بعد الاعتذار لخطيبها وتستكملان القصة الناقصة بأقل الخسائر الإنسانية الممكنة
فإذا كان في هذا الحل بعض الإجحاف بخطيبتك الحالية وبخطيب فتاتك الأولى وكل منهما لا ذنب له بالفعل في انشغال فكر شريكه بغيره ، فإن عزاءهما عما يتعرضان له من إجحاف بهما هو أن الحل المؤلم الآن سوف يجنب كلا منهما في المستقبل القريب التعاسة الحقيقية وتجرع كأس العيش مع شريك لم يكن يتمناه لنفسه ومضى في الارتباط به وكأنه ينفذ حكما قدريا عليه لا يملك له دفعا ، ولاشك أن كلا منهما يستحق من الحياة ما هو أفضل كثيرا من ذلك ويستحق أن يرتبط بمن يزهو به ...ويراه أمله الكبير في الحياة ولسوف تعوضه الأقدار عما يخسره الآن نفسيا ومعنويا خيرا عميماً بإذن الله.
صورة: دوائر الدوامة ! أرجو أن يتسع صدرك لمشكلتي لأني في أشد الحاجة إلى مشورتك ، فأنا شاب في الثلاثين من عمري أعمل بالتعليم ، ومن أسرة طيبة ، ومنذ أربع سنوات أعجبت بفتاة كانت تتلقى مني درسا خاصا وهي في السنة الأولى بكليتها الجامعية ووجدت فيها كل المواصفات التي أتمناها في شريكة حياتي ، فتحدثت إليها برغبتي في الارتباط بها ووجدتها قد سبقتني إلى الإعجاب بشخصي وتتمنى الارتباط بي ، غير أنه كانت هناك مشكلة هي أن والدها يرفض أن ترتبط بأحد قبل أن تنهي دراستها وتتخرج مع وعد منه لها بأن يزوجها ممن تختاره لنفسها إذا التزمت بشرطه. وأكدت لها استعدادي لانتظارها أربع سنوات حتى تتخرج ويتحقق شرط والدها وتعاهدنا على ذلك ثم سافرت بعد بضعة شهور للعمل بإحدى الدول العربية وظللت على عهدي لفتاتي. وترقبت مرور الشهور والسنين لكي أتقدم إليها ، حين بلغت هي السنة الثالثة الجامعية فاتحت والدها برغبتي ، فرحب بي أشد الترحيب وطلب مني الانتظار للعام المقبل حتى تتخرج ووعدني بأن تكون ابنته لي وليس لأحد غيري ، واطمأننت إلى وعده وسافرت إلى عملي وتواصلت الرسائل بيني وبينها ، ورجعت في أجازة العام التالي .....وتحدثت إلى عم فتاتي برغبتي في تحديد موعد مع شقيقه لأتقدم إليه مع أسرتي طالبا يد ابنته ، ووعدنا العم خيرا....وبعد ساعات رجع إلى بالرد، فإذا به الرفض القاطع الباتر بلا أسباب ولا مبررات ، وأصابني الذهول ودهش معي أهلي الذين كانوا قد عرفوا فتاتي خلال السنين الماضية وأحبوها وتعلقوا بها وكانت تقوم بزيارتهم خلال سفري ، وحرت فيما أفعل إزاء هذه المفاجأة غير السارة وحاولت أن أعرف سبب الرفض ، فعرفت أن والد الفتاة قد اتفق مع أحد أقاربه على تزويجها له وأنها في حالة نفسية سيئة لكنها لا تستطيع إقناع أبيها بالوفاء بوعده إياها ألا ترتبط إلا بمن تختاره ، ولم استسلم لليأس من تغيير موقفه ووسطت لديه كل من آنست منه استعدادا للتدخل في الموضوع ، فأصر على رأيه إصرار غريبا ، وحاولت الفتاة معه بكل ما أوتيت من جهد ، فكان رده على كل محاولة من جانبها إقناعه بقبولي هو الضرب المبرح واشتد ضيقي وكربي إلى أن جاء يوم وقالت لي فتاتي إنه لا فائدة من المحاولة مع أبيها لأنه عنيف للغاية وعنيد ويريد على حد تعبيرها أن " يبيعها " لمن يستطيع أن يدفع أكثر ونصحتني النصيحة اليائسة بألا أضيع ما بقى من إجازتي في محاولة نطح الصخر الذي لا يلين ، وأن أرتبط بفتاة غيرها. وفى فترة ضيق بكل شيء سلمت باليأس من فتاتي ، وحاولت شغل فكري عنها بالارتباط بغيرها....وبالفعل تقدمت إلى صديقة لها لا تعرف عن قصتنا شيئا سوى أنني تقدمت لطلب يدها ورفض والدها طلبي...ورحب بي والد الصديقة لكنه أصر على ألا تكون هناك فترة خطبة وأن أعقد القران على الفور ولم أجد مانعا من تلبية رغبته ، فتمت الخطبة وعقد القران خلال أسبوع واحد ، وانتظرت أن تشغلني هذه الخطوة عن فتاتي السابقة وأستريح من التفكير فيها ، فلم يتحقق ذلك وظللت مشغول الفكر بها بالرغم من عقد قراني على خطيبتي وخطبة فتاتي على قريبها وازدادت فترات صمتي وانشغال فكرى وأنا مع خطيبتي ، فلم أجد مفرا من مصارحتها بما أعانيه ووجدت لديها صدرا رحبا لهمومي وحاولت التخفيف عني بقدر الإمكان ، بل وحاولت أيضا أن تكون واقعية وأن تساعدني على تقبل الحقائق ، فأبلغتني أن فتاتي مريضة وأنها لن تغضب إذا اتصلت بها للاطمئنان عليها قبل سفري إلى عملي ، واتصلت بفتاتي السابقة ووجدتها في حالة سيئة ، فضعفت إرادتي واعترفت لها بأنني ما زلت أحبها ولا أستطيع نسيانها والبعد عنها...فقالت لي بصوت حزين أنه قد فات أوان هذا الحديث وأنه على كل منا أن يتقبل أقداره ، ويكفيها أنها لم ترفضني بإرادتها ولم تقبل خطيبها الذي لم تشعر معه بالانسجام حتى الآن برغبتها ....وسافرت مضطربا و مهموما ....وبعد سفري بفترة قصيرة رحل والد فتاتي الأولى عن الحياة ، وطلبت منى خطيبتي في اتصال تليفوني بيننا أن أواسيها في فقده ، فتعجبت لتصاريف القدر ... وازداد شعوري بالندم على تسرعي في عقد قراني على فتاة أخرى سواها.... وأصبح شاغلي الأكبر منذ ذلك الحين هو كيف استطيع حل مشكلتي بغير أن أظلم خطيبتي التي احتوت انشغال فكرى بغيرها .... ولا ترفض أن تكون زوجه ثانية إذا كان ذلك سوف يسعدني ويحقق راحتي ، فماذا أفعل يا سيدي وكيف أخرج من دوائر هذه الدوامة التي تدور بي بعنف منذ علمت بوفاة والد فتاتي الأولى ؟ ولكاتب هذه الرسالة أقول: إذا كنت في رد سابق قد أدنت الاختيار العاطفي لزوج عاشر زوجته 22 عاما ، فلم ينكر عليها شيئا ، وزوجة عاشرت زوجها ربع قرن من الزمان بلا مشاكل جدية ، فما أن التقى كل منهما بالآخر بعد غيبة سنين حتى تجدد الحب القديم الذي سبق زواج كل منهما.... وهجر الرجل زوجته وأبناءه الشباب الذي يرون فيه مثلهم الأعلى وهجرت المرأة زوجها وأبناءها الثلاثة الذين يرون فيها رمز الأم والعطاء وارتبط كل منهما بالآخر بالزواج وراحا ينهلان من نبع السعادة الأنانية على حساب عدد كبير من الضحايا ، إذا كنت قد أدنت هذا الاختيار لكثرة من تساقطوا على جانبي الطريق إليه من الضحايا الأبرياء الذين لا ذنب لهم ولا جريرة في أن الحياة كانت قبل ربع قرن من الزمان قد حالت بين طرفي القصة وبين اجتماع شملهم قبل زواج كل منهما من آخر وإنجابه ، فإني لا أستطيع أن أدين اختيارك العاطفي هذه المرة اخترت تصحيح خطأ مازال في الإمكان تصحيحه بغير أن يدفع ثمن تداركه ضحايا كثيرون من الأبناء وشركاء الحياة .... فإن يا صديقي لم تبن بعد بخطيبتك الحالية حتى لو كنت قد عقدت قرانك عليها ، وفتاتك كذلك لم تتزوج ممن أرغمها والدها على الارتباط به ولم تتأبد روابطها معه بالإنجاب حتى الآن ومن صالح كل الأطراف في هذه القصة ألا تتفاقم الأخطاء ويصبح لها ضحايا حائرون في المدى القريب كما أنه ليس من الحكمة تعذيب النفس والغير بأن ترتبط بمن ينشغل عنها فكرك وقلبك بغيرها ولا هو من صالح خطيب فتاتك الأولى أن تواصل طريق الارتباط به وقلبها يهفو إلى غيره ويرجوه ، فكل بناء يقام على غير أساس متين يتعرض للانهيار عند أول عاصفة ، ولا داعي لتكرار الأخطاء البشرية ...وامتحان النفس والغير بمحنة معايشة الإنسان لمن لا يحبه ، فإذا التقى ذات يوم بعيد أو قريب بمن حالت دونه الحياة تجدد الشوق القديم واضطربت الحياة العائلية ...وصدق عليه قول الشاعر : ذو الشوق القديم وإن تسلى مشوق حين يلقى العاشقينا وإذا كان من مقدور المرء أن يحيا الحياة الطبيعية مع من يحب ويقصر طرفه وحبه وفكره ويفرغ قلبه ممن عداه ، فما معنى أن يعذب المرء النفس والغير بالارتباط بهم ومكابدة العيش معهم على غير رغبة حقيقية منه ... وفى ذلك من الظلم لهؤلاء الغير قبل أن يكون للنفس ذاتها؟ إنني لا أنصحك أبدا بقبول " تضحية " خطيبتك لك باستمرارها في حياتك مع ارتباطك بفتاتك الأولى إذا كانت في ذلك سعادتك....فالحق أنني لم أفهم هذه " الواقعية " التي تتحدث عنها حين تروى عن خطيبتك أنها تحثك على الاتصال بفتاتك وتقبل بأن تكون زوجة ثانية لك معها ، ولا أرى فيها انكسارا إنسانيا لا يليق بك أن ترضاه لها وأرى فيها عجزا من جانبها عن تغيير ما تكرهه لنفسها كأية فتاة أخرى ، ومخالفة لطبائع النفس البشرية لن تصمد كثيرا للتظاهر بالقبول بها راغمة طلبا لإتمام الزواج منك ، ثم لا يمضى وقت طويل إلا وتتفجر المشاكل ويزداد الموقف تعقيدا ، وخاصة أن فتاتك الأولى لن تقبل ومهما كان حبها لك حقيقيا وصادقا أن تتزوج بك وأنت زوج لأخرى لم تبن بها بعد ولم تنجب منها وليس هناك ما يعوقك عن الاعتذار لها عن فصم الرابطة التي تجمعك بها والتفرغ بكليتك لمن ترغبها ... إن الإنسان حين تشتد رغبته في الأشياء قد تضعف حيلته أمامها وقد يبدى من المرونة والاستعداد للتضحية المهينة لنيلها ما لم يتوقعه هو من نفسه ....لكن النفس سرعان ما تتمرد على ضعفها السابق إذا تعلق الأمر بالعواطف ويندم على سابق قبوله لما لم يكن يرضاه لنفسه لولا أن كان في الموقف الأضعف ويطلب بشدة ما يريده لنفسه ... فتبدأ الصراعات وتتصاعد المشاكل ... فما حاجتك أنت وخطيبتك الحالية إلى كل هذا العناء ولماذا تقفز أنت بإرادتك هذه المرة إلى بؤرة دوامة جديدة قد تدور بك سنوات ثمينة من العمر ويكون لها ضحايا آخرون من الأبناء الحائرين في المستقبل ؟ إن مقدورك الآن أن تتعلق بطوق نجاة يخرج بك أنت وبخطيبتك من دوائر الدوامة إلى شاطئ الأمان ...وذلك بأن ترفض شاكرا تضحيتها الممرورة هذه لك وتعتذرلها عن عدم الاستمرار في الارتباط بها وقلبك يهفو إلى غيرها لأن في ذلك ظلما بينا لها وتعوضها بكرم وسخاء عن الأضرار المعنوية والنفسية التي ستتكبدها بانفصالك عنها ، ثم تستكشف استعداد فتاتك الأولى للارتباط بك بعد الاعتذار لخطيبها وتستكملان القصة الناقصة بأقل الخسائر الإنسانية الممكنة فإذا كان في هذا الحل بعض الإجحاف بخطيبتك الحالية وبخطيب فتاتك الأولى وكل منهما لا ذنب له بالفعل في انشغال فكر شريكه بغيره ، فإن عزاءهما عما يتعرضان له من إجحاف بهما هو أن الحل المؤلم الآن سوف يجنب كلا منهما في المستقبل القريب التعاسة الحقيقية وتجرع كأس العيش مع شريك لم يكن يتمناه لنفسه ومضى في الارتباط به وكأنه ينفذ حكما قدريا عليه لا يملك له دفعا ، ولاشك أن كلا منهما يستحق من الحياة ما هو أفضل كثيرا من ذلك ويستحق أن يرتبط بمن يزهو به ...ويراه أمله الكبير في الحياة ولسوف تعوضه الأقدار عما يخسره الآن نفسيا ومعنويا خيرا عميماً بإذن الله.
1أعجبني · · المشاركة
التعليقات الأولى
9 أشخاص معجبون بهذا.
اكتب تعليقاً...
Rehab Adham رحمك
الله يا دكتور عبد الوهاب ستظل استاذي ومثلي الاعلي ورايك لصاحب للرساله
انسب وضع علي الرغم من بعض الصعوبات في تنفيذه لكنه الاقل ضررا
أعجبني · رد · 1 · منذ 10 ساعات · تم تعديل
Mohammed Aly Soultan شئ غريب جدا جدا . مع إحترامى للأهل ومدى تقديرى لحرصهم على مصلحة أولادهم ولكن لم لا يدعوا أولادهم يختاروا طريق مستقبلهم بنفسهم , مشكلة ستظل إلى الأبد , عموما أنا معجب برد أ/ عبد الوهاب مطاوع رحمه الله
أعجبني · رد · منذ 10 ساعات