روائع. عبد الوهاب مطاوع
11 أبريل
منتصف الطريق !
أرجو أن تقرأ سطوري تلك وتستشعر قلب أم تخشي علي طفلين جميلين هما بالنسبة لها البسمة الوحيدة في أيامها المليئة بالجراح والآلام.
فأنا الأبنة التي كتبت لك أمي عني تشكوني اليك وتستحلفك بأن تنصحني بالزواج بعد أن ضاقت برفضي لمن يتقدمون لي علي مدار أربعة أعوام منذ إنفصالي عن زوجي السابق..
وكأنني ياسيدي قد أجرمت في حقها كأم تريد أن تطمئن علي ابنتها, ورغم محاولاتي لشرح أسبابي المنطقية في الرفض إلا أنها تصم اذنيها وتهددني بغضبها علي وترفض أية محاولة للنقاش, ورغم وقوفك إلي جوارها في ردك بنصيحتك التي وجهتها لي بالزواج, إلا أنني ألجأ إليك الآن لتقف إلي جواري وتقول لها انها تخشي علي كأم وقد تجاوزت الثلاثين وتنسي انني أنا أيضا أم اكثر خوفا علي أبناء صغار لاحول لهم ولا قوة وليس لهم سواي بعد أن أكتفي والدهم سامحه الله بلقاء عابر مرة واحدة اسبوعيا, يتأفف خلاله من أي شكوي ويأبي معرفة مايواجهونه من مشكلات نفسية أو دراسية.. ويظن أنه يؤدي دوره علي أكمل وجه بإرساله بضعة جنيهات كل عدة أشهر, في حين لايخلو بيته من كل غال ونفيس.. فكان لزاما علي أن أقوم بدور الأم والأب في آن واحد, مما زاد ارتباطهم بي وحبهم لي, ومنذ إنتهاء فترة العدة وأمي تتمني أن أقبل واحدا ممن يتقدمون لي خاصة وان مراكزهم جميعا مشرفة.. وزادت حدتها معي حينما رفضت طبيبا لم يسبق له الزواج ويكبرني بعشرة أعوام رآني حينما كنت أرافق والدي لزيارة صديقه خال هذا الطبيب, فأعجب بي وتقدم لي فشرحت له ظروفي وظروف ابنائي.. وحاول التقريب بينه وبينهم, لكنهم نفروا منه لأنه لم يكن يملك القدرة علي الحوار ومداعبة الصغار, ويفتقر إلي الحنان قليلا.. كما أنه بدأ يشعر بالغيرة منهم.. وألمح لي أن حياتنا ستكون أكثر سعادة اذا تركت ابنائي لدي والدتي بعد زواجنا ورحبت بذلك علي الفور وكأنني قد وافقت علي اقتراحه الظالم بحرماني منهم.. فاعتذرت له لأنني لن استطيع أن أعيش معه جسدا بلاقلب أو روح حيث أن طفلي هما قلبي وروحي.. وحينها قررت أن أضع مواصفات معينة لمن أقبل به زوجا أولها تشابه الظروف بيننا لكي يشعر كل منا بالآخر, فيكون أبا لأبنائي وأكون أما لأبنائه..
ورفضت أن أكون وعاء للانجاب فقط لمن يريد الزواج بسبب عقم زوجته رغم عشقي للأطفال.. أو الزوجة الجديدة لرجل متصاب باع عشرات السنين مع زوجة آزرته حتي النهاية لينعم بحياة جميلة مع سيدة صغيرة السن.
أو لرجل طلق زوجته بعد سنوات الغربة والعناء وترك لها ابناءه متنصلا من مسئوليتهم ليبدأ حياة سعيدة مع زوجة جميلة, وكيف لي أن أقبل بذلك وقد تجرعت هذه الكأس المرة من زوج لم يعرف للزواج قدسية أو للأبناء حقا.. ثم كيف آمن لرجل تنصل من مسئولية ابنائه وأثق في أنه سيتحمل معي مسئولية أبنائي ومشكلاتهم وهم ليسوا من صلبه؟ أو كيف آمن لرجل إنفصل عن زوجته رغبة في الانجاب ولم يكن ارتباطه بي إلا بسبب هذين الطفلين الذين يدلانه علي قدرتي الانجابية فقط وما أدراني أنه لن يتركني حين أحقق له أمنيته أو لن يضعني في خيار بين الاستمرار معه لتربية وليدي وبين التنازل عن أبنائي من زوجي السابق.. فاكون بذلك قد أضفت واحدا إلي فريق التعساء هو وليدي الجديد.. انني أتساءل.. ما هي السعادة التي صادفتني في زيجتي الأولي لكي الهث وراء زواج جديد؟
هل أتزوج فقط إرضاء لمجتمع عقيم ينظر إلي المطلقة نظرة ظالمة؟ أم اتزوج لكي أثبت لزوجي السابق انني قد اخترت من هو أفضل منه كما تريدني أمي أن افعل؟ لا ياسيدي.. إن ثقافتي تأبي علي ذلك.. خاصة بعد أن نفضت عن ذاكرتي مهانة وظلما كنت استشعرهما مع زوج لم يعرف من الدين سوي الفروض ونسي أن الدين المعاملة.
لقد أصبحت انسانة لها هدف في الحياة هو أن تعمل من أجل ابنائها وتتبوأ أرقي المناصب وكل ما يحزنني هي أمي التي تتهمني بأنني لا ابالي بأمومتها بل ولاتتورع عن جرحي واستفزازي دائما حين أرفض إنسانا وتزعم إنني مازلت أحب زوجي السابق رغم ما فعله بي!!
وتنسي أنني انسانة.. لها قلب ومشاعر.. رومانسية وحانية إلي أبعد الحدود.. ولاتعرف انني رغم تجاوزي سن الثلاثين فانني حين أخلو الي نفسي في أحيان كثيرة أحلم بذلك الفارس الذي يأتيني بحصانه.. لكنه ليس ذلك الفارس الذي كنت أحلم به منذ عشرة أعوام.. لأنني لم أعد أحلم به لي وحدي وإنما ايضا لابنائي الذين افتقدوا حنان الأب فيكون لهم أبا واكون لابنائه أما.. فارس يزيح بسيفه عني عيون القلق علي أبنائي ويهبنا ما افتقدناه طويلا من الحنان..
انني ياسيدي لا أرفض الفكرة.. ولكنني لاأتعجلها وأومن بأن النصيب حين يأتي سوف ييسره لنا الله سبحانه.. فهل أنا مخطئة في تفكيري.., أنني أرجو منك أن تخاطب أمومة والدتي من وحي أمومتي أنا.. راجية من الله أن يوفقك لاعادة الوئام بيننا..
ولكاتبة هذه الرسالة أقول: : :
اوافقك ياسيدتي في ألا يكون ثمن زواجك مرة ثانية هو التخلي عن طفليك اللذين يحتاجان اليك بشدة في هذه المرحلة المبكرة من طفولتهما.. كما اوافقك كذلك في ألا تتزوجي لمجرد اثبات جدارتك بالفوز بزوج أفضل من زوجك السابق أو بغير اقتناع كامل بشخص من سوف ترتبطين به وتشاركينه رحلة الحياة.. لكني لا اوافقك في أن تثبطك تعاستك في تجربة الزواج الأولي عن التطلع للزواج مرة أخري والأمل في السعادة والتوفيق فيه, ذلك أن من تجرعوا التعاسة في حياتهم الشخصية هم أحق البشر بالتطلع الي نيل نصيبهم العادل من السعادة, بل انهم يتقدمون الي السماء بسجلهم من التعاسة والشقاء ليكون شفيعا لهم في التعويض ونسيان التجارب الأليمة والفوز بالسعادة المشروعة.. وكلما كان سجلهم الحزين طويلا اشتد الأمل في نفوسهم في تعويض السماء لهم.. ومن الجميل حقا إن تنشغلي برعاية طفليك اللذين يمثلان لك البسمة الوحيدة في حياتك الآن, وان تتشاغلي عن احزانك وظروفك الشخصية بالاهتمام بعملك والتطلع الي شغل ارقي المناصب فيه كما تقولين, فكلا الأمرين من اهداف الحياة الجليلة بغير جدال, وهما يجعلان لحياتك معني وقيمة اضافية بالفعل, لكنهما لايغنيان عن هدف جليل آخر هو السعادة الشخصية والتوفيق في الحياة الخاصة وسكون القلب الي من يركن اليه.. ويتساند معه في رحلة الحياة, كما أن اهداف الحياة عديدة واكثرها يتكامل مع بعضه البعض ولايتناقض معه.
ونحن كما يقول لنا الشاعر الفرنسي بول إيلوار نحتاج الي رفقة في الحياة لكي نري الحياة!
وبغير هذه الرفقه لايتاح لنا أن نعرف كل جوانب الحياة او نخبرها, وإذ ا كنا في عنفوان شبابنا نستشعر في أنفسنا القوة والعزم, والقدرة علي الاكتفاء.. والاستغناء احيانا عن مثل هذه الرفقة.. فماذا يكون الحال حين يتقدم بنا العمر ونستشعر الضعف والوحدة وفقدان الرفيق والنصير.
أنني اعرف ياسيدتي أنك لاترفضين فكرة الزواج من اساسها.. لكنك تضيقين فقط بلوم والدتك لك لمسارعتك برفض من يتقدمون اليك, دون ترو أو دون التفكر طويلا في كل عرض قبل ابداء رأيك فيه وايضا لعدم تلهفك علي الزواج مرة أخري لأنك لاتستشعرين في نفسك الرغبة لتعجل الزواج.. او تقديم اية تنازلات في سبيل الفوز به.. وكل منكما له مبرراته الجديرة بالاعتبار, فوالدتك بقلب الأم الملهوف علي سعادة ابنتها تتعجل الزمن وتتلهف علي ان تراك وقد استقر بك المقام في حياة زوجية جديدة تنسيك احزان التجربة السابقة, ولو تطلب الأمر تجاوزك عن بعض تشددك, وانت لاترين في ظروفك مايدعو للزواج لمجرد تصحيح الوضع والتخلص من لقب المطلقة وتنتظرين ان يجمعك الله بمن لايحرمك من طفليك. ويملأ قلبك ووجدانك بشخصه.. قبل اي شيء آخر.
ولابد من الالتقاء في منتصف الطريق: فتخفف والدتك من ضغطها والحاحها عليك للقبول بأول طارق علي الباب مهما تكن التنازلات.. وتبدين انت كذلك قدرا أكبر من المرونة والاستعداد للتفكر في كل عرض ملائم واخذه بعين الاعتبار ومن منطلق ادراكك للظروف المحيطة بك والاقتناع بضرورة التساهل في بعض الأمور تبعا لذلك..
وقديما قال حكيم الصين كونفوشيوس: الرجل المتفوق حر التفكير وليس متعصبا لآرائه.. والرجل غير المتفوق متعصب لأفكاره وليس حر التفكير, ولقد كان كونفوشيوس يستخدم في تعاليمه ونصائحه عبارة الرجل المتفوق للاشارة الي من يمكن اعتباره الانسان الحكيم أو النبيل..
وانت بلاشك من المتفوقين في امومتك وحياتك العملية.. فعسي ان يمتد تفوقك وتوفيقك الي حياتك الشخصية ايضا وبنفس القدر إن شاء الله.[b]