نبض السطور<br>بصمات الشيطان وابواب الرحمة<br>
أنا امرأة شاءت لها الأقدار أن تعيش سيناريو طويلا من الشقاء والحرمان بدأ منذ طفولتي فقد ولدت يتيمة لوفاة والدي قبل مولدي بأيام وكان موته الفصل الأول من المأساة التي عاشتها أمي التي وجدت نفسها فجأة مسئولة عن سبعة أطفال والعائل الوحيد لهم.
لم تكن أمي متعلمة أو تجيد العمل أية مهنة مما جعلها تلجأ إلي المهنة الوحيدة التي يمكن أن تعمل بها ـ خادمة في البيوت ـ وبالكاد كانت توفر لنا لقمة العيش.. نأكلها بمرارة الفقر الذي ولدت فيه رغما عني وحكم علي أن أغرق فيه حتي النهاية.. ولكني كنت متمردة علي حالي أحاول الخلاص من فقري بأي وسيلة وكنت أستغل حب أمي وتدليلها لي في التميز علي أشقائي في كل شيء حتي أنني كنت الوحيدة من بينهم التي أتيح لها دخول المدرسة والحصول علي قسط من التعليم رغم ثقل الحمل علي أمي فقد كانت تحرم نفسها وأخوتي من الطعام أحيانا لكي توفر لي احتياجاتي.
ومرت الأيام ثقيلة مؤلمة, اللحظات السعيدة فيها متباعدة إلي حد الندرة.. ورغم أني استطعت الحصول علي شهادة جامعية لم أقنع بهذا المستحيل الذي تحقق ولم أشكر لأمي ولا لإخوتي الذين كانوا يعملون في مهن مختلفة معاناتهم من أجلي.. لم يكن إخوتي يغارون مني ولا أستطيع أن أصف لك حجم سعادتهم الكبيرة بنجاحي وتخرجي في الجامعة.. كانوا يرون في نجاحي نجاحا لهم وانتصارا علي الفقر الذي أحاطهم بسياج لا فكاك منه.. أما أنا فقد كنت أفكر في شيء آخر.. كيف أنزع عن كاهلي عباءة الفقر وأنسي أيام الحرمان المقيتة.. وكانت البداية هي تنكري لأمي وإخوتي..
قررت أن أتركهم وأمضي لحالي.. كنت أظن أن الدنيا بعد أن كانت تعطيني ظهرها دائما سوف تقبل علي وتفتح لي ذراعيها وتضمني إليها تنتشلني من لجة الفقر إلي سطح المجتمع.. تركت أمي الخادمة وشقيقي الأكبر الميكانيكي وأشقائي الذين يعملون ما بين الخدمة في البيوت الأعمال الحرفية المختلفة.. تركتهم ولم أعبأ بتوسلاتهم لي بالبقاء.. كانت لي صديقة ميسورة الحال أقنعتني بالمضي معها واستضافتني في شقتها بالدقي.. كانت دائما تقول لي أن جمالي وذكائي هما سر الثروة التي يجب أن أحققها.. كانت تقول لي ذلك ونحن في الجامعة وكنت أبدي لها دهشتي من ثرائها والمال الذي لا قيمة له بين يديها والاجابة كانت دائما واحدة هي أني أستطيع أن أكون أكثر ثراء منها بذكائي وجمالي.. ولم أفهم سر كلامها عن الجمال والذكاء إلا عندما تركت أهلي وذهبت معها.. مشيت معها طريقا لا رجعة فيه كله أشواك انغرست في لحمي وشرفي.. حققت الثروة الملوثة ونسيت أيام الفقر ونسيت معها كرامتي مع كل رجل كان ينتهك آدميتي.. حققت حلمي بالتمرد علي مستنقع الفقر لأسقط في مستنقع الرذيلة وأشرب منه حتي ثملت وأخذتني السكرة عن الوعي بحقيقة الواقع المزري الذي أوقعت نفسي فيه وعشت فيه غائبة عن الوعي بلا عقل أو ضمير حتي قابلته.. لم يكن رجلا مثل من عرفتهم وشاركتهم فراش الشيطان.. كان الانسان الوحيد الذي يشعرني بآدميتي كلما التقيت به.. تعرفت عليه بالمصادفة عندما صدمت سيارته وشبه حطمتها ورغم أنها سيارة قديمة ومتواضعة جدا بما يوحي أنه ميسور الحال رفض مبلغ التعويض الذي عرضته عليه.. التقينا بعد ذلك أكثر من مرة ولم يكن للشيطان مكان بيننا.. كم تمنيت أن أكون له فقط وأترك حياتي بكل ما فيها من مال حرام من أجله هو.. نسيت معه تمردي ونفوري من الفقر وتمنيت لو غرقت مرة أخري في لجة الفقر ولكن إلي جواره.. ولكن كيف لي ذلك.. هل أعود كما كنت بقلب نقي وجسد طاهر.. هل تختفي بصمات الشيطان من علي جسدي؟!
ذهبت إلي أمي أسترضيها وأغرق رأسي في صدرها وأبكي لعلي أتطهر بين يديها ولكني لم أجدها.. لقد ماتت حزنا وكمدا علي وفقرا لأنها لم تكن تملك ثمن العلاج من المرض الخبيث الذي هاجم جسدها المنهك طوال السنوات الماضية.. أما أشقائي فقد تنكروا لي كما تنكرت لهم من قبل ولفظوني من حياتهم إلي الأبد. عدت أدراجي من حيث أتيت بخيبة أمل ولكن بإصرار لا رجعة فيه أن أترك حياة الرذيلة والحفاظ علي البقية الباقية من آدميتي وكرامتي. جمعت ما حصلت عليه من مال حرام وقررت أن أتطهر به كما تلوثت به من قبل.. سافرت إلي الأراضي الحجازية أحج إلي بيت الله الحرام.. قد تقول أن مالي حرام ولا يصح لي حج به فكيف لي أن أستعين بالشيطان للتقرب من الله عز وجل.. وقد يستنكر الناس علي توبتي وقد يستنكر الرجل الوحيد الذي أحببته أيضا حياتي ما مضي منها وما هو حاضر.. هو لا يعرف عني شيئا غير أني أرملة رجل ثري ترك لي ثروة ورثتها عنه.. ماذا أقول له.. هل أخبره بالحقيقة.. هل يغفر لي حتي لو أخبرته أن ثروتي الحرام تبرعت بها كلها للخير تكفيرا عن خطيئتي؟
وهل يقبلني الله عز وجل في زمرة من يرحمهم ويغفر لهم أم أن حجتي وتوبتي كأن لم تكونا لأني استعملت فيهما مالا حراما؟
م.ب. الجيزة
من قال إن أبواب رحمة الخالق سبحانه وتعالي توصد أمام عباده مهما عظمت خطاياهم أو ثقلت ذنوبهم.. إن الله جلت قدرته سمي نفسه الرحمن والغفور ولك أن تتذكري قول الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم: كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم ولا شك أن الانسان كلما زاد إيمانه بالله زاد ألمه إذا أخطأ لأنه يكون أكثر إحساسا, وأكثر إقبالا علي التوبة.
وأنت يا سيدتي رغم هذا المشوار الطويل من الخطيئة والسعي في ركاب الشيطان من الله عليك بالتوبة ولعل دعاء والدتك لك رحمها الله هو الذي أنقذك بالفوز برحمته سبحانه وتعالي وتأملي قول المولي عز وجل مادحا عباده المؤمنين:[ والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا علي ما فعلوا وهم يعلمون] آل عمران135
وقول المصطفي صلي الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا, لذهب الله تعالي بكم, ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله تعالي فيغفر لهم رواه مسلم.
وأنت أفقتي من سكرة الشيطان ولديك إصرار وعزيمة علي التوبة فلا تقنطي من رحمة الله وكوني علي يقين من مغفرته.
أما من تحبين عليك بمصارحته حتي تكون حياتك معه مبنية علي الصدق وبنور صدقك سوف يغفر لك وإن لم يستطع تجاوز أزمة الماضي فأولي بك أن تحرمي منه من أن تبدئي طريق التوبة بالكذب والخديعة.
خ.ح.ا
E.M:khaled_elnakeeb@yahoo.com
للمراسلة: القاهرة ــ شارع الجلاء رقم بريدي11511 الأهرام المسائي ــ فاكس:25791761 ــ تليفون:0227703100 ــ01223920261[b]