من سورية: تجربتان متناقضتان
وهاتان قصتان من سورية، الأولى عوّض فيها زوج الأم عن غياب الوالد، والثانية انتقلت فيها احدى الفتيات من قهر زوجة الأب الى قهر الزوج
يروي علاء الدين سفر ـ العمر 35 سنة، قصته قائلاً: «انفصلت والدتي عن والدي عندما كنت في السنة الأولى من عمري، كانت أمي إنسانة بسيطة لم تكمل دراستها ولم تحصل على أي عمل بالطبع، فتزوجت من والدي، واكتشفا بعد الزواج أنهما غير متفاهمين على الإطلاق، وبعد ولادتي بسنة تم الطلاق بينهما وتزوج أبي بأخرى.
وفي السنة الثانية تزوجت أمي من رجل أرمل عنده ابن وابنتان، وكان الصبي في سني تماما. انتقلت أمي للعيش مع هذا الرجل في بيته المتواضع وكنت معها لأن والدي الحقيقي ترك حضانتي لأمي. كانت معاملة زوج أمي معاملة إنسانية ومحبة وأصبح بمثابة أبي فعلا وجعلني ابنا له، وكذلك والدتي تعاملت مع أولاد زوجها معاملة حسنة، فكانت تطعمهم وتنظفهم وتساعدهم في كل شيء وكأنهم أبناؤها، حتى أنها كانت تشتري لهم حاجاتهم مثلي تماما.
أما عن علاقتي بأولاد زوج أمي فكنا كالأخوة فعلا، نلعب معا وندرس معا، ولم نشعر بأي تفرقة، أو أني غريب عنهم. كنا ننام في غرفة واحدة فالبيت كان مؤلفاً من غرفتين فقط، نستيقظ صباحا ونتناول فطورنا ونذهب الى المدرسة ونعود إلى البيت نلعب ونأكل وندرس معا. كان زوج أمي يأتي من عمله ومعه ألعاب وأكلات لذيذة، يعطينا الألعاب والطعام يمازحنا ويقول لنا دائما، أنتم أخوة وأنتم أولادي، وأنت يا علاء ابني الغالي.
لم أشعر أبدا بغياب الأب أو فقدانه، لأن زوج أمي كان دائما موجوداً في لحظات حيرتي وحاجتي. كان يقدم لي النصيحة، حتى أنه لم يكن يضع حواجز بيني وبين ابنتيه، بل كان يردد دائما أن عفراء وصبا هما أختاي وكان يطلب مني أن أكون معهما الأخ الحنون، وهذا ما كنت عليه، الأخ المحب والحنون. كنت سعيدا لأن أمي رغم فقر هذا الرجل، كانت سعيدة معه لتعامله المحب معها وتعامله الأبوي معي، وكنا دائما أسرة جميلة ومتفاهمة.
الجو الذي تربينا فيه أهّلنا لأن ندرس جميعنا، عفراء وصبا درستا التمريض وتزوجتا وبكيت على فراقهما يوم زفافهما، وبقينا أنا وقصي ابن زوج أمي، وهو أخ رائع لم تلده أمي. درس قصي التجارة والاقتصاد وهو الآن موظف مرموق في بنك خاص، أما أنا فدرست الهندسة المعمارية التي أحبها منذ الصغر، وكان زوج أمي يشجعني على دراستها عندما كان يراني ألعب بالحجارة والتراب وأبني بيوتا صغيرة.
زوج أمي صرف علي أثناء دراستي كما صرف على قصي ابنه، وكان سعيدا بذلك، وهو الآن مريض بالشلل النصفي، وجاء مرضه بعد تخرجي وعملي في إحدى الشركات، وحزنت جدا لمرضه، ولم أكن إلا ابنا صالحا له، فأنا لا أنام قبل أن أجلس معه وأغير له ثيابه وأعطيه الدواء، وأساعد أمي في حمامه. وسأبقى وفيا له لأنه إنسان صالح رأف بحالي وأنا صغير عندما تخلى عني والدي، وعاملني كأولاده ولم أشعر بأي فرق، ولم أشعر بغربة أبدا، مع أن والدي الحقيقي لم يرني إلا مرتين طيلة حياتي بعد طلاقه من والدتي. هذه الحياة غريبة، تجد الناس الذين لا تربطك بهم صلة الدم أحباء أوفياء يقدمون الحنان على عكس الناس الذين خلقت من صلبهم.
أذكر مرة أني كنت مريضاً وعندي امتحان في المدرسة، فحملني أبي إلى المدرسة وقدمت الامتحان وأعادني الى البيت وأعطاني الدواء اللازم ولم يذهب الى عمله من أجلي. أذكر يومها أن أمي بكت من شدة حنان هذا الرجل، وقالت أن الله لا ينسى أحدا».
View SlideShow
ريمندا خليل ـ 37 سنة، موظفة: تزوج أبي بامرأة لتهتم بنا، ففضلت أولادها علينا وعاملتنا كالخدم
«توفيت والدتي وأنا في سن الخمس سنوات، وكانت أختي في الثالثة. كان والدي موظفاً حكومياً، نعيش في منزل لا بأس به مكون من ثلاث غرف ومطبخ وحمام وعلى سطح المنزل غرفة صغيرة مهملة.
ماتت والدتي بعد صراع مع مرض السرطان، ووالدي كان منهكاً وحزيناً من كل هذا الوضع، وهو شخص طيب لكن كان العمل يأخذه كل اليوم لأنه بعد العمل الحكومي كان ملتزما بعمل آخر، فلم يكن يعود إلا آخر الليل. واحتار ماذا يفعل ويقدم لنا خاصة أنه لا أقارب له، فكانت نصيحة أحد الجيران أن يتزوج بامرأة أخرى ترعانا وتقوم بما يلزمنا حتى نكبر. وبعد محاولات قبلت امرأة مطلقة لديها طفلة وطفل بالزواج من والدي، شريطة أن يعيش ولداها معنا. ووافق أبي على طلبها لأن وضع البيت كان بحاجة إلى سيدة ترعانا، وقال لها طفلاك وطفلتاي أخوة وسنتعاون على تربيتهم، وبالفعل تم الزواج.
وبعد فترة وجيزة لم تتعدَّ الشهر، بدأت ألاحظ ورغم صغر سني سوء المعاملة، فهي تضع الطعام وتطعم ولديها ولا تنادينا إلا عندما ينتهون هم من تناول الطعام. وهكذا مرت الأيام، وأصبح عمري عشر سنوات، وأختي الصغرى ثماني سنوات، وولدا زوجة أبي كبرا، ولكن المصيبة الكبرى كانت عمل والدي المستمر وعدم وجوده في المنزل، فلم نكن نراه إلا يوم العطلة، ولا نستطيع الكلام معه إلا كما تأمر زوجة أمي، لأنها كانت متسلطة، وأنجبت من أبي صبياً وكان اهتمام والدي بابنه الجديد ينسيه وجودنا.
كانت زوجة والدي تستيقظ منذ الصباح وترسلنا الى المدرسة بدون فطور حتى تحضر السندويش لأولادها، ونعود جائعين جدا لنأكل بقايا الطعام، ثم نتجه لأعمال البيت التي تنتظرنا بشكل يومي أنا وأختي الصغيرة. نقوم بالمسح والشطف وكل الأعباء التي لا يتحملها أحد، وكانت زوجة أبي عندما لا نقوم بالعمل على أكمل وجه تضربنا بشدة وتعاقبنا بحرماننا من الطعام. وعندما يكون والدي في المنزل وفي أيام العطل تجلس الى جانبه وإذا تحدثنا أمامه عما يحصل في غيابه، تكذب وتبكي وتقول أنها تتعب وتقدم لنا كل شيء، وأن السوء مني ومن أختي.
لا أعرف كيف مرت الأيام، ووجدت نفسي ابنة 15 سنة، وبدأت أختي تعاني مرض الروماتيزم الشديد وبدأت قواها تخور بسبب البرد والنوم في الغرفة المهملة على السطح بحجة أن المنزل ضاق بالأولاد. ومع الأيام تركنا المدرسة لتراجعنا في دروسنا أنا وأختي، وتدهورت حالة أختي لتصل إلى حد الفشل الكلوي، ومن ثم توفيت وهي في الخامسة عشرة. لن أنسى هذا اليوم في حياتي، فالإهمال وسوء المكان والتربية والعناية أوصلتنا الى هذه النتيجة.
لملمت أحزاني وعشت بقية الأيام بحسرة فلا ألبس إلا الثياب القديمة، وأولادها يلبسون الثياب الجديدة، أنا لأعمال المنزل ولخدماتهم وهم للحياة الكريمة.
مرةً جاءنا ضيوف فقمت بتحضير الضيافة وقدمتها، فعرفتني على أني الخادمة في المنزل، ولن أنسى هذا الموقف المهين... لو كانت أمي موجودة، هل كنت سأعيش هكذا؟
وعندما أصبحت في السابعة عشرة، استطاعت زوجة أبي أن تقنع والدي الذي ساءت حالته الصحية بأن يزوجني برجل يكبرني خمسة عشر عاما، بحجة أني لم أنجح في الدراسة وأن أولادها يتعلمون، وأني مجرد خسارة في المنزل، فأنا للأكل فقط، هكذا قالت ولا تزال كلماتها ترن في أذنيّ.
وافقت على الفور وتزوجت هاربة من الجحيم، لأقع في جحيم أكبر. فالرجل الذي تزوجته لا يعرف أي مسؤولية ويريد امرأة تخدمه وتخدم والدته المسنة. حملت وأنجبت منه ولدا وبنتاً، وبعد سنوات مات زوجي في حادث سير، وهنا الكارثة، كيف أعيش ولا أستطيع العودة إلى بيت والدي، أقصد بيت زوجة والدي التي قاطعتني هي ووالدي من بعد زواجي لأسباب أجهلها حتى الآن.
سألت أهل الخير وشرحت ظروفي، فقاموا بمساعدتي بتأمين عمل لي كمستخدمة في دائرة حكومية لأعيش على راتب ضئيل.
الحمد لله هذا نصيبي، أقدم الحنان الكامل لولديّ وأحيطهما بحبي، حب الأم الذي حرمت منه، وأنا راضية بحياتي، حتى يختار لي الله ما يراه خيرا لي».
View SlideShow[b][i]