لم أكن أتصور أن كثيرين من الرجال يتصفون بالطمع والبخل وسوء المعاملة , وأن منهم من هو إمعة لأصدقائه يمتثل لأوامرهم, وينصاع لتعليماتهم حتي قادني حظي العاثر الي تجربتين فاشلتين.
مع اثنين من هذا النوع من الرجال الذين يصعب كشفهم قبل الزواج, الأولي: زواجي من شاب تقدم لأسرتي عن طريق العائلة, ولم تستمر زيجتنا كثيرا, إذ سرعان ما دبت الخلافات بيننا واستحالت عشرتنا معا, فطلبت الطلاق وحصلت عليه, وقررت أن أعطي نفسي مهلة كافية للتعرف علي من يتقدم لي مرة أخري, وبعد سنوات كانت تجربتي الثانية, حيث تعرفت علي شاب آخر توسمت فيه انه فتي أحلامي, وسوف أروي لك قصتي معه من البداية الي النهاية, فأنا سيدة اقترب من سن الأربعين, وانتمي إلي أسرة ميسورة الحال, وأتمتع بقدر من الجمال والرشاقة, ولا يزيد وزني علي ستين كيلو جراما وأبدو للآخرين أقل من سني بكثير, وكم تمنيت ان يطرق بابي من لا يكون طامعا في مال أبي الذي اعتبرته نقمة وليس نعمة, فهو مطمع كل من يفكر في الزواج منا أنا وأخواتي, وهذا هو السبب في فشل زيجتي الأولي, أما الثانية فلقد كانت من شاب تعرفت عليه عن طريق الانترنت, وتظاهر أمامي بالتدين وحسن الخلق, ولاحظت انه يردد دائما عبارات يحاول التدليل بها علي تدينه مثل الله المستعان و ربنا يكرمنا ولاحظت ما يطلق عليه الزبيبة علي جبهته وبدا لي وكأنه يحك رأسه لإظهارها بهذا الشكل غير الموجود لدي معظم المصلين, وعلاوة علي ذلك حاول إيهامي بأنه رومانسي بكلام حلو تسعد لسماعه أي فتاة.. وهكذا نسج شباكه حولي, وقال لي إنه من المعادي وان له تجربة سابقة مريرة في الزواج من سيدة رزق منها بولد, ثم خلعته ظلما بمساعدة والدها الذي شجعها علي الانفصال, وأفهمني أنه طلقها رغما عنه, لكنه قال لأهله كلاما غير ذلك, فأوغر صدورهم ضده, ولذلك تبرأوا منه, ولن يوافق أحد منهم علي المجيء معه لخطبتي, واستغربت ان يقول لأهله عكس ما حدث, ولما جاء أبي من عمله نقلت اليه بالحرف الواحد ما دار بيننا حتي يكون علي علم بما قاله لي, ثم جاءنا بصحبة صديق له من رواد المقهي الذي يتردد عليه.. وهذا الصديق كما تبين لي فيما بعد أنه واحد ممن يتحكمون فيه, ويملون عليه إرادتهم, وقد طلب أبي منه مهلة للتفكير, وسألنا عنه في المنطقة الذي يعيش فيها, وجاء الرد بأنه من أسرة طيبة, ولكن لم نتوصل إلي أي معلومات عنه بشكل شخصي, ولا عن طبيعة خلافاته مع أهله لدرجة أنهم لا يتدخلون في أي شيء يخصه, أو سر قطيعتهم له.
وقد أسمعني كلاما جميلا عن أن الماديات تفسد كل شيء, وأن الملائكة سوف تدعو لنا بعد الزواج لأننا لن نعير مثل هذه المسائل اهتماما, ولكن سرعان ما ظهرت بوادر حقيقته التي حاول اخفاءها بكلامه المعسول, عندما ماطل في التوقيع علي قائمة الأثاث مثل أي عريس, وأحضر شبكة بسيطة ثم أخذ ثمنها مني بشكل آخر حيث أبلغني أنه سينتقل إلي عمل غير الذي أبلغنا انه يعمل فيه, وطلب مني ألا أخبر أبي إلا بعد أن يتم تثبيته فيه لكي لا يتهمه بأنه لا يستقر في أي عمل, وامتثلت لطلبه, وقلت في نفسي ان هذه المسألة تخصنا معا, ومادام قد أئتمنني عليها فلن أفشيها لأحد, وكتمت هذا السر.
وجهزنا الأثاث ولم يتكلف فيه سوي القليل جدا, وتحمل أبي كل شيء تقريبا حتي تكاليف عقد القران, وتم زفافنا بعد ثلاثة أشهر فقط في ظل غياب كامل لأسرته, وفي اليوم التالي للزفاف وجدتني متزوجة من عاطل ينام النهار كله ويقضي الليل بالكامل مع أصدقائه رافضا الحديث معي في هذه المسألة تماما, وكنت مضطرة للسكوت حتي لا أرجع الي بيت أبي مطلقة بعد أيام من الزفاف, واكتشفت أنه تزوجني لأكون له خادمة تنظف البيت وترعي شئونه, وزوجة تؤدي له حقوقه الزوجية, والغريب انني في المرة الوحيدة التي خرجتها معه لتناول الغداء في أحد المطاعم وجدته يعد القطع التي تناولتها, وجعلني اندم علي انني خرجت معه, وبالطبع لم أكررها ثانية.
وبمرور الأيام وجدته دائم التكشير, وإذا ضحك سرعان ما يتجهم وجهه بعد لحظات ولا يهتم بنفسه ولا يصالحني اذا احتد النقاش بيننا, وتكون المبادرة من جانبي دائما, وله طريقة غريبة في الصلح. وهي أنه يأخذ حقه الشرعي, وكثيرا ما أخطأ في اسمي وناداني باسم مطلقته, وتعمد احيانا مقارنتي بها لكي يغيظني, فهو دائم النقد لي, ويعلق علي طريقة تناولي الطعام والجلوس, وقد يفتعل أي مشكلة للشجار معي, وبمرور الأيام ظهرت أطماعه المادية, وقال لي أكثر من مرة: لماذا لا يساعدنا أهلك ببيع عقار أو بمبلغ مالي, وروي لي قصصا عديدة عن أصدقائه, وكيف أن أحدهم طلق زوجته لأنها لم تساعده, وآخر انفصل عنها لأنها رفضت بيع ذهبها وإعطاءه ثمنه, وثالث أقرضته حماته ثلاثمائة ألف جنيه, ورابع خرجت زوجته للعمل لكي تصرف علي المنزل ولم تخبر أهلها بذلك.
وتمادي في إيذائي النفسي فأجبرني علي منع الحمل, ودفعني الي العمل المتواصل, وذات مرة طلب مني أن أذهب إلي أسرتي واقضي معهم اسبوعا بحجة رعاية والدتي المريضة كرما منه رافضا أن يأتي معي, ولو لعدة ساعات من باب الزيارة, وعندما عدت الي الشقة وجدتها مقلوبة رأسا علي عقب ووجدت أدوية وأشياء غريبة مبعثرة هنا وهناك, وشيئا فشيئا عرفت أنه مريض نفسيا وعصبيا, ولاحظت أنه يقضم أظافره, ويهز رأسه بلا وعي عندما ينفعل ويبربش بعينيه معظم الأوقات.
وتراجعت أوضاعنا المعيشية إذ توقفت عن الصرف علي متطلبات المنزل, وقد طالبته بمصروف نشتري به احتياجاتنا اليومية, وقلت له يكفي أن أهلي يساعدوننا بالكثير, ولم يبخلوا علينا بشيء, فإذا به يثور ثورة عارمة ثم راح يتجسس علي عسي أن يتصيد لي أي خطأ يساومني به علي الطلاق فأخذ يفتش في دولابي ويراجع المكالمات التي تلقيتها والتي اتصلت بها من تليفوني المحمول, وبالطبع لم يجد ما يرمي اليه.. ثم وجدته يدخل الي مواقع مشبوهة علي الانترنت, ويحكي أدق أسرار حياتنا لصديقه حتي العذر الشرعي لعلاقتنا الزوجية, وانقطعت كل صلة له مع أهلي حتي انه لم يعزني في وفاة والدتي التي كان يحثني علي الذهاب اليها!
لقد صبرت كثيرا وتحملت من أجله ما تنوء بحمله أي زوجة, لكنه تمادي في إيذائي نفسيا, وأشعرني انني غير مرغوبة منه, ووصلت إهانته لي إلي حد ضربي, وهنا استحالت العشرة بيننا, فتنازلت له عن كل حقوقي مقابل الطلاق, وندمت أشد الندم علي انني لم أسأل عن أم ابنه لكي أعرف سبب طلاقها منه, وأدركت انني اخطأت في هذا الارتباط.
والآن اخشي ان أدخل في زيجة ثالثة, فالرجال أمامي سواء من خلال التجربتين المريرتين اللتين مررت بهما, ويحدوني الأمل في أن أرتبط برجل علي خلق ودين, ولا تهمه الماديات, ولا يكون لديه أطفال, وان يرغب في الإنجاب وأن أعيش حياة طبيعية ليست فيها أطماع, فأنا لم أجن من العجلة الا الندامة, وأشعر انني خائفة ومرتبكة, ولا استطيع أن أحدد المسار الذي يجب ان اسلكه حتي لا تتكرر أخطائي السابقة, فبماذا تشير علي؟
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
تزوجت مرتين, وكانت لكل زيجة مثالبها التي دفعتك إلي الخلع إنقاذا لنفسك من براثن زواج فاشل لم يصمد أمام العواصف التي اجتاحته, وقبل أن أناقش تجربتك الثانية التي كتبت إلي بصددها دعينا نتفق أولا علي أن الماضي انقضي بحلوه ومره, ولا رجعة فيه, ولذلك يجب ألا يزعجك, كما جاء في القرآن الكريم لكيلا تأسوا علي مافاتكم وأن المستقبل غيب في علم الله, ولذلك يجب ألا تحملي له هما, إذ يقول الحق تبارك وتعتالي وما تدري نفس ماذا تكسب غدا, وما تدري نفس بأي أرض تموت هكذا يكون المؤمن الحق, وهو مطالب بأن ينصب اهتمامه علي حاضره ويأخذ بالأسباب ويبذل أقصي الجهد ثم يتوكل علي الله ويأمل في أن يعينه علي ما هو فيه, باعتبار أن النتائج ليست مسئولية الفرد, وإنما هي في تقدير الله, وعليه أن يتقبل بنفس راضية ما يحدث له مادام أنه لم يقصر في أداء ما عليه, ويجب أن يكون استحضاره الماضي لدراسة ما فيه, والاستفادة به في المستقبل دون ضيق أو يأس.
فإذا كانت هذه هي القاعدة العامة التي يجب أن تحكم تصرفاتنا, فإنك مطالبة بالتدقيق في اختيار الرجل الذي ترتبطين به, ولا تكفي علاقات الانترنت العابرة, أو العريس القادم عن طريق المعارف, لاقامة حياة ناجحة ومستقرة, وإنما يتعين عليك التمحيص لمعرفة كل شيء عنه, وبحضور أهله, فنقطة الفشل في كثير من الزيجات هي أن البنت ومعها أهلها يكتفون بكلام الشاب الذي يتقدم إليهم من باب أنها مرتاحة إليه, أو أنها أحبته أو ستتزوجه هو وليس أهله, فالأسرة إن لم تكن عنصرا أساسيا في اتمام ونجاح زيجة ابنهم والاتفاق مع أهل فتاته, فإنها علي الأقل لن تتدخل إذا رأت من ابنها انفلاتا في السلوك. أو انه يأخذ مسألة الزواج كناحية مزاجية وليس إقامة بيت وأسرة كما هو في حالتك, حيث نجح هو في إبعادك عن أهله, والغريب أن أسرتك هي الأخري سارت علي دربك دون أن يعي أحد منكم, ان الزواج بهذا الاسلوب يكون هشا ومصيره الفشل.
وإذا كان الزواج أقوي دافع تعليمي في مدرسة الحياة علي حد تعبير هافلوك أليس, فإن عليك الاستعانة بتجربتيك السابقتين, وانت تتطلعين إلي زواج ثالث مستقر يعوضك عن تعب وشقاء السنين الماضية, فتدققين في اختيار من يتقدم إليك, وليس مهما أن يكون أرملا أو مطلقا أو لم يسبق له الزواج, ولكن المهم أن تدرسي جوانب شخصيته وحياته وأسرته دراسة جيدة, ولا يؤخذ كلامه أمرا مسلما به, فكل انسان ينظر إلي الأمور من زواياه الشخصية, فيتغافل متعمدا عن أخطائه وسلبياته, والتي لايمكن التعرف عليها إلا بالمعاشرة أو الملاحظة فترة طويلة نسبيا, ولذلك فإن فترة الخطبة هي التي تتيح للطرفين أن يتعرف كل منهما علي الآخر, ويلعب الأهل دورا مهما في ذلك, ومهما بلغت منطقية الحجج التي قد يسوقها البعض لابعاد ذويهم عن مسألة الزواج, فإن الأسرة تظل هي العامل الأساسي الذي ينبغي أن يحسم الموقف النهائي لأية زيجة.
ولو أدرك كل رجل أن زوجته له إذا أرادها أن تكون كذلك, ما تجاوز في حقها بغير ذنب: مادامت الخلافات بينهما في الحدود المعروفة في كل بيت, ولم تصل إلي الدرجة التي تستحيل معها العشرة.
أما زوجك فلقد حاول منذ البداية أن يرتدي ثوب القناعة علي غير حقيقته التي تكشفت بسرعة عندما بدأ في طلب المال منك, مشترطا عليك ألا تخبري أهلك, ولما إستجبت له زاد في مطالبه عيني عينك, وراح يحدثك عن أصدقائه الذين أخذوا من زوجاتهم أموالا وخلافه, ثم طالبك بعدم الحمل حتي يسهل له الخلاص منك في الوقت الذي يريده, عندما يجبرك علي تركه عن طريق الخلع, بحيث لا يخسر شيئا, بعد أن امتص رحيقك, ثم يتفرغ للايقاع بضحية أخري, ومثله كثيرون علي شبكة الانترنت وغيرها, وللأسف تنخدع الفتاة فيهم, وتكون النتيجة هي ما وصلت إليه الآن.
وبالطبع فإن التعميم خطأ في كل الأحوال, ولكن دروس الحياة تعلمنا تحري الاختيار سواء من جانب الشاب أو الفتاة, فهذا هو الطريق الصحيح نحو الزواج الناجح والمستقر, فليكن سبيلك إليه الاستعانة بالأهل, والتأني في اتخاذ القرار.. وأرجو أن تتطلعي إلي المستقبل بعين تملؤها الثقة واليقين بعيدا عن الخوف والتردد, والله المستعان.
[b]