مشـي علي الأشــــــواك
يكتبه - أحــمـــد البــــرى:
بصعوبة شديدة أمسكت بالقلم لأكتب إليك هذه الرسالة المضطربة تعبيرا عما أعيشه من حياة قاسية فشلت, في تغييرها بكل السبل, فأنا سيدة أتممت سن الثلاثين منذ شهور.
<="" div="" border="0">
وقد تزوجت بعد تخرجي في الجامعة من شاب تقدم لي ورأته أسرتي مناسبا لي من أول لقاء دون أن تعطيني الفرصة للاقتراب منه والتعرف عليه, ولم يمر أسبوع واحد علي زفافنا حتي سقط القناع الذي تخفي به خلال الزيارات المعدودة لنا, فهو لا يعرف غير لغة الإيذاء والإهانة, وليس في قاموسه المعاملة الإنسانية والمودة والرحمة التي وصف بها المولي عز وجل علاقة الزوجين برغم أنني بذلت كل ما في وسعي لإرضائه وتفننت في توفير كل سبل الراحة له, وقطعت الطريق أمام كل أبواب الخلافات التي رأيت أنها قد تنشأ بيننا, ورحت أتحسس كل ما يضايقه وأتحاشاه, وأخمن ما يسعده وأفعله وعاملته بالحسني وسعيت إلي إرضائه.
أما سبب هذه المعاملة القاسية فيرجع إلي شقيقتيه اللتين تسيطران عليه سيطرة كاملة ولا يغضبهما بأي حال ويقف دائما في صفهما حتي لو كانتا المخطئتين, حيث إنه الشقيق الوحيد لهما, وقد رحل أبوهم منذ سنوات, ولذلك تتدللان عليه زيادة عن اللزوم, والغريب أنهما تتعاملان معي أمامه معاملة كلها رقة وحنان, فإذا جلستا معي في غيابه أجد منهما معاملة غليظة, ولا تدعان لي فرصة لقضاء أي إجازة معه, فحتي يوم الجمعة يقسمه بينهما ثم يسهر مع أصدقائه, وهكذا لا أجد أي فرصة للتواصل معه, فإذا طلبت منه أن يفطر معي ولو يوم واحد كل أسبوعين مثل أي زوجين يبلغهما بما أطلبه, وهنا تقوم الدنيا ولا تقعد, وتهدداني بالوقيعة بيننا, فإذا أعدت الطلب بأن يقضي يوم الإجازة معي يرد علي بألفاظ لا تليق.
وهنا تنامي لدي شعور بأنني كائن مهمل لا يستحق أي اهتمام, وأنه لا يرتاح لي, برغم أنني أصغره بعشر سنوات, ودائمة الاهتمام بنفسي وببيتي وأولادي.. هل تتخيل أنه لم يفكر في أن يدعوني للخروج معه في أي نزهة منذ زواجنا, مع أنني أنجبت طفلين, وعشت طوال السنوات الماضية بين الجدران الأربعة لشقتنا, ولم أخرج إلا للذهاب بالولدين إلي التمرينات الرياضية, وأنا حامل للمرة الثالثة, ومع إنني أؤدي كل واجباتي علي أكمل وجه, إلا أنه يتفنن في تحميلي فوق طاقتي بطلبات إضافية بإعداد العزومات للأقارب والمعارف.. وتحولت إلي خادمة لديه هو وشقيقتيه.. بل إن الخادمة قد تأخذ مقابل تعبها, أما أنا فليس لي مصروف يد, ويرفض شراء ملابس خروج جديدة لي بحجة أنني ربة منزل ولا أعمل.
وبلغت الغطرسة مداها, عندما حدثته في أمر يخصنا نحن الاثنين وليس بشقيقتيه أي علاقة به, لكنه أبلغهما بما دار بيننا, فإذا بالكبري تتصل بي وتكيل لي سيلا من الشتائم والسباب, وتهددني بأنها سوف تقول له عني كلاما يجعله يبهدلني, وأبلغت زوجي بما كان منها وطلبت منه أن يبرئ ساحتي أمامها, فما فعلته معي لا يليق أبدا, فإذا به يخذلني قائلا لي: يجب أن تتجاوزي هذا الموقف التافه ولا تتوقفي عنده!, وبسبب سلبيته هذه وجدتني أسيرة الهم والاكتئاب.
وتطورت الأمور ووجدت أخته الكبري تعامل ابني بقسوة, وتتحدث عنه بكلام غير لائق أمام الأقارب والأصدقاء, فطلبت منها أن تعامله مثل أولادها وحدثتها بمنتهي الأدب لأن أهلي علموني أن الدين المعاملة, فإذا بها ترفع صوتها عاليا, وهي تقول: ما تدخليش بيتي تاني, فمادت بي الأرض, وعدت إلي منزلي وأنا أبكي بحرقة وألم, واتصلت بصديقة لي وعرضت عليها المشكلة التي أعانيها منذ زواجي فردت علي بأنني السبب فيما آلت إليه الأمور مع زوجي وشقيقتيه بسكوتي الدائم وغضي الطرف عن هذه المعاملة السيئة التي لا ترضي أحدا.
وبرغم كل ذلك; فإن زوجي كما هو يأخذ كل شيء يخص أختيه بمنتهي السلبية, بل إنه أجبرني علي الاتصال بأخته الكبري وتهنئتها بعيد ميلادها, فردت علي ردا باردا, فعاودني البكاء والألم من جديد.. وحدثت أسرتي في الطلاق بعدما تأكدت أن زوجي لن يتغير, لكنهم رفضوا مجرد الحديث فيه وطالبوني بالصبر والتحمل.
إنني أنهار, وأدعو الله أن يفرج كربتي, ولم أدع يوما عليهم, بل أترك الأمر للمولي عز وجل وأفرغ كل طاقتي في تربية أولادي الذين ركزت كل وقتي في تربيتهم علي الفضيلة والأخلاق الحسنة, لكن الآلام التي أعانيها تقتلني معنويا,, إنها آلام الوحدة وانشغال زوجي الدائم وتفضيله لشقيقتيه علي حساب بيته وأولاده, ووصل الأمر إلي درجة أنني أتعاطي المهدئات بعد أن نفد صبري علي هذه المتاعب ولا أدري كيف أواصل حياتي علي هذا النحو الذي فقدت الأمل في أن يتغير؟
ثم هل تري أي بادرة أمل في أن يتحرر زوجي من سيطرة شقيقتيه ويدرك أن له بيتا وزوجة وأولادا في حاجة إليه؟ فلقد تعبت من المشي علي الأشواك, وأخشي من كل كلمة وكل خطوة خوفا منهم حتي باتت حياتي ألما لا يرجي شفاؤه؟
>> ولكاتبة هذه الرسالة أقول: لقد أصبح الاحتفاظ بحياة زوجية مستقرة هذه الأيام مهمة شاقة تتطلب من كلا الزوجين مزيدا من الصبر والهدوء, والتنازل عن الأخطاء والهنات التي يسهل استيعابها وعدم الوقوف عندها.. ومن هذا المنطلق يمكنك بالاستمرار في منهجك وحكمتك واتزانك الذي التزمت به علي مر السنين ان تواصلي حياتك وتستوعبي زوجك وتتلاشي الاحتكاك مع شقيقتيه قدر الإمكان, ولتعلمي أن اسعد زوجة ليست تلك التي اقترنت بأفضل رجل, ولكنها التي صنعت من الرجل الذي ارتبطت به افضل زوج علي حد تعبير الز ماكسويل... فانت وطريقتك في احتوائه والقدرة علي اقناعه.. ويمكنك الوصول الي هذه الغاية إذا تلمستما معا طريقا لمناقشة الأمور العائلية يقوم علي الصراحة والوضوح, فبه تستأصلان جذور الخلافات بينكما أولا بأول, فالمناقشة الزوجية كالمشرط في يد الجراح يعرف كيف ومتي يستخدمه, بشرط أن يتوقف زوجك عن سياسة الاملاءات ولا يأخذ كلام أختيه كأمر مسلم به.
لقد بحثت في ثنايا رسالتك عن خلاف جوهري بينكما فلم أجد سوي بعض الإشارات عن تحريض شقيقتيه له, ولم تذكري المآخذ التي تهدداك بأنهما ستبلغانها الي زوجك ولا أدري كيف يستقيم ذلك مع المعاملة الحسنة التي تبديانها لك أمامه؟ ثم تقولين أنك طالبتيه اكثر من مرة بان يرد لك اعتبارك امامهما ولكنه لا يفعل ـ والحقيقة أن هذه النقطة بالتحديد, وهي سبب متاعبك الزوجية, تحتاج الي مزيد من التوضيح فمن عندها يبدأ الحل.
ومادام زوجك لا ينكر عليك عشرتك الطيبة ورعايتك لبيتك فلا دخل لأختيه بما يدور بينكما, وعليه ان يكون حاسما في هذا الموضوع, ولا ينقل اليهما كلاما ولا يسمع منهما أي اقاويل وهو يعلم جيدا أنهما تحاولان الايقاع بينكما, وعليه أيضا ان يتوقف عن نقل ما يدور بين جدران بيتكم اليهما فللبيوت أسرار اذا انتقلت خارجها قد تتسبب في هدمها, ولا تخشي المواجهة اذا تطلب الأمر ذلك فاستمرار هذا الوضع سيجعل منه ورما تستفحل خطورته بمرور الأيام, وفي النهاية لا بديل عن بتره والخلاص منه.
وليعلم زوجك أنه لا شئ يعذب المرأة أكثر من استهتار زوجها بها, وأنه باستطاعته أن يفتح سبيلا الي سعادته واستقرار أسرته بتحكيم عقله, والسعي الي رأب الصدع الذي أصاب بيته.
وعندما تتوصلان الي هذا التوافق يكون عليك حينئذ نسيان الماضي, وبدء صفحة جديدة تقوم علي التسامح مع شقيقتيه, وتفويض الأمر لله والتوكل عليه والثقة فيه.. وكلها عوامل تجعلك تمشين علي طريق ناعم كالحرير وليس مملوءا, بالأشواك علي حد وصفك لعلاقتك بهما.
وإياك أن تهتزي نفسيا, أو ينفد صبرك كما تقولين, وتوكلي علي الله, فهذه هي شيمة المؤمن الذي يعلم أنه سبحانه وتعالي يملك مقاليد الأمور كلها, ويقول في كتابه الكريم وعلي الله توكلوا إن كنتم مؤمنين.
أما شقيقتا زوحك فارجو الا تنسيا أن الدنيا دوارة, وأن معاملتهما القاسية لك سوف تنقلب عليهما ولو بعد حين, فالانسان يدين بما يفعل, وسوف يأتي اليوم الذي تندمان فيه علي ما اقترفتا في حقك, ومازال بإمكانهما التوقف عن مضايقتك والتفنن في إيذائك النفسي بافتعال أمور تافهة ليست لها قيمة.
ولتبدأوا جميعا صفحة جديدة خالية من الشوائب التي علقت بحياتكم.. اسأل الله لك الثبات, ولزوجك الرشاد, وهو وحده المستعان.[b]