بريد الجمعة يكتبه:احمد البري
الطعنة الغادرة!
تذكرت وأنا أكتب اليك حكايتي ما قاله رسول الله صلي الله عليه وسلم عن النساء بأنه لا يكرمهن إلا كريم, ولا يهينهن إلا لئيم, وإن أكرمكم أكرمكم لأهله, وأنا أكرمكم لأهلي..
إنها كلمات جامعة مانعة لكنها لا تجد آذانا صاغية لدي رجال هذا الزمان, فأنا سيدة تعديت سن الأربعين وقد نشأت في أسرة متدينة تتمتع بسمعة طيبة بين أهل قريتنا, ولم تربطني أي علاقة عاطفية طوال سنوات دراستي ولم اقترب من أي شاب, أو التفت إلي محاولات الكثيرين للتعارف كما يفعل الشباب والبنات عادة في هذه السن.
وما إن تخرجت في كليتي حتي طرق بابي شاب يتيم لا يملك من حطام الدنيا شيئا, ولم يتوقف أبي عند ظروفه المادية, ولما سألني عن رأيي فيه سكت, فاعتبر سكوتي علامة الرضا, وعقدنا قراننا وأتممنا الزفاف سريعا وساعدته في أثاث الزوجية, ولم يبخل والداي علي بشيء, وكنت أسمع دعواتهما لي بالتوفيق فأشعر بالرضا وراحة البال, وانتقلت من قريتنا الي القاهرة تغمرني السعادة بحياتي الجديدة.. ولم يكن زوجي قد استقر في وظيفة بعد, فبحثت معه عن عمل مناسب, وطرقنا أبواب العديد من الشركات ووفقنا الله الي إلحاقه بمهنة مبرمج كمبيوتر في شركة كبري تعمل في هذا المجال, وسرعان ما أوفدته الشركة مندوبا لها بالمملكة العربية السعودية, وسافر بمفرده وتركني وحدي في الشقة, وهي تقع في مواجهة شقة أخته الأرملة, ولاحظت شيئا فشيئا ان أخته تتبعني في كل خطواتي, وتنقل ما تراه وما لا تراه اليه, فكانت حارسة علي وليست راعية لي, ولم أفلح في اثنائه عن هذا الاسلوب الذي لا تستقيم معه الحياة, وفشلت في إقناعه بأن لكل منا حياته الخاصة التي لا يصح التدخل فيها ولا الرقابة عليها.. وهكذا نصبت اخته نفسها وصية علي بتفويض منه, فأساءت هذا التفويض, إذ تدخلت في كل كبيرة وصغيرة تخص حياتنا ووصل الأمر إلي حد انها تعاملت معي بالصوت العالي والسباب.
واقتصرت زيارات زوجي لنا علي عدة أيام كل عام, واستمر هذا الوضع تسعة عشر عاما, وصار لدينا خمسة أبناء واستسلمت للأمر الواقع مرغمة علي القبول به.. وركزت كل جهدي لتربيتهم, فأبدأ يومي بتوصيلهم إلي المدارس, ثم أعود الي المنزل فأعد الطعام ثم أذهب اليهم مرة أخري بعد انتهاء اليوم الدراسي ليكونوا في صحبتي خوفا من أن يحدث لأحدهم مكروه في الطريق.. وحيث إنني حاصلة علي مؤهل تربوي فإنني أذاكر لهم الدروس أولا بأول وقد أصبحوا شغلي الشاغل, أنام وأصحو علي تلبية طلباتهم وصاروا جميعا متفوقين.
والغريب أن شقيقته تشاهد ما أعانيه من جهد في تربية خمسة أطفال, وتلمس بنفسها كل شيء في حياتنا, إلا أنها لم تراجع نفسها وتمنع عني ايذاءها ولو يوما واحدا طوال هذه السنين.
وكانت نتيجة موقفها أن زوجي عاملني كخادمة وليست شريكة حياته, فكل أموره غامضة بالنسبة لي, ولا أعرف عنه شيئا وحتي مصاريف المنزل كانت تصلني عن طريق شقيقته, ولك أن تتصور يا سيدي زوجة في وضعي لا تعرف ما هو راتب زوجها, وما هي حساباته بالبنوك التي وصلت إلي ملايين الجنيهات بعد أن كان لا يملك الملاليم.. لقد تجاهلت هذه المسائل ولم أتوقف عندها, ولم أسأله يوما عنها, وكان كل ما أسعي اليه هو المعاملة الحسنة, لكني للأسف الشديد لم أجدها, بل انه تمادي الي ما هو أكثر من ذلك حتي كانت اللطمة الأخيرة وهي كبيرة وقاسية وقاضية.. فلقد اكتشفت انه متزوج منذ ثلاث سنوات من سيدة مطلقة لديها طفل, وتربطني بها صلة قرابة.. فصرخت بأعلي صوتي, لماذا غدر بي؟ ولماذا خانني؟ ولماذا أنكر جميلي وصبري عليه وأنا التي تحولت إلي خادمة ورضيت بالذل تحت سيطرة أخته؟ أتكون نتيجة ما صنعته الزواج من أخري مع انني لم أقصر في حقه وأفنيت شبابي في تربية أبنائه الخمسة الذين أنجبهم ولم يعش معهم أي معاناة في التربية, فهو أب بالاسم فقط.. لقد واجهته بالحقيقة فثار وغضب وسبني وضربني ثم طردني قائلا: أنت طالق!
وفي دقائق خرجت الي بيت أبي بحقيبة ملابسي أجر أذيال الخيبة والفشل بلا ذنب, فوالله يا سيدي ما ارتكبت أي خطأ حتي يطعنني هذه الطعنة الغادرة.. ولقد مضت ستة أشهر علي هذه الواقعة وأنا الآن في حيرة من أمري ولا أعرف مصيري وهل أنا مطلقة أم معلقة؟ وهل يحق له ان يطردني من شقتي التي عشت فيها تسعة عشر عاما؟ وكيف يتم حرماني من رؤية أولادي طوال هذه المدة وهم الذين كنت لهم كظلهم أتبعهم أينما كانوا ولا يغمض لي جفن إلا بجوارهم.. ثم أين مستحقاتي المالية؟ ألست شريكة معه في تكوين ثروته التي تضخمت بجهدي معه, حيث حرمت نفسي من الالتحاق بأي عمل تحقيقا لرغبته في أن أتفرغ للمنزل وتربية الأولاد؟
لقد استولي علي مصاغي وباعه, وبدد منقولات بيت الزوجية وسلمها لشقيقته التي تدعي انها اشترت شقتي بكل محتوياتها, فمن الذي باعها لها؟ وهل من الممكن ان يتم ذلك دون علمي؟ ويبقي السؤال الأهم: لماذا يغدر بعض الأزواج بزوجاتهم بعد أن يمتصوا رحيقهن؟ ولماذا هذه القسوة والغلظة والإمعان في الظلم؟ ألا يعلم هؤلاء ان الله سبحانه وتعالي ليس غافلا عما يعمل الظالمون؟.. انني لا أجد ما أختم به رسالتي اليك إلا أن أقول: حسبي الله ونعم الوكيل.
<< ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
لقد أخطأت بسماحك لأجت زوجك بالتدخل في حياتك منذ اللحظة الأولي لسفره, ولو انك وضعت النقاط علي الحروف في كل ما يتعلق بعلاقتك بها لما آلت أوضاعك إلي ما وصلت إليه.. انني لا أدري كيف قبلت الاستمرار في هذا الوضع تسعة عشر عاما دون ضجر أو تذمر؟ فالحقيقة أن الأثر التراكمي لتهاونك وتساهلك في حقوقك هو الذي دفعه إلي التمادي في الضغط عليك, وكان يجب عليك عندما أرسل اليك مصاريف البيت لأول مرة عن طريق أخته أن تكون لك وقفة حاسمة معه, إذ إن لكل بيت خصوصياته, ولا يمكن أن تقبل زوجة حياتها علي هذا النحو الذي يؤدي غالبا وبمرور السنين إلي تفسخ العلاقة بين الزوجين.
انني أفهم أن يسعي الزوج إلي إقامة علاقة قوية بين زوجته وأهله من باب صلة الرحم التي تعمل علي تهدئة النفوس وتسهم في التواصل الانساني بين أفراد الأسرتين, أما أن يجعل منهم حراسا ومراقبين لتصرفات زوجته فهذا ما لا يعقل أبدا, إذ أن النتيجة الطبيعية لهذا التصرف هي انهيار بيت الزوجية ولو بعد حين كما حدث معك.
وفات زوجك انه بتركه أخته تعبث ببيتكم حتي ولو أن ظاهر الأمر هو الرعاية قد فتح أمامها باب الشيطان فأوقعت العداوة والبغضاء بينكما, وأوغرت صدره تجاهك علي مدي سنين طويلة إلي أن نجحت في تشتيت شمل الأسرة, وبالتأكيد هناك تفاصيل كثيرة تؤكد حالة الجفاء بينك وبينها, ولكن لم تذكريها, ولا شك أن تراكم الهفوات الصغيرة جعل منها جبالا شاهقة حالت دون تواصلك الطبيعي مع زوجك فيما بعد.
وصار عليك الآن إما أن تعترفي بالواقع الجديد, وهو أن زوجك ارتبط بسيدة أخري, وتقبلين الرجوع إليه علي هذا الأساس من أجل رعاية الأولاد, وفي هذه الحالة لن يكون هناك تغيير يذكر في حياتك باعتبار أنك تعودت إلي بعد زوجك عنك تسعة عشر عاما هي المدة التي قضاها بالخارج, ولم يكن يزوركم فيها إلا بضعة أيام كل عام, وإما أن تطلبي الطلاق الرسمي للضرر, فالطلاق الشفوي الذي فاجأك به, ربما يكون قد راجع نفسه فيه, وهو طلاق لايمكن إثباته, وبالتالي لاتترتب عليه أي حقوق عن طريق القضاء.
ومن أجل أن تحسمي أمرك بين العودة أو الطلاق يجب أن يكون هناك حكم من أهلك وحكم من أهله, فإن تريدا إصلاحا يوفق الله بينكما, وإن تتفرقا يغني الله كلا من سعته, كما يقول الحق تبارك وتعالي, فاستعيني بوالدك وهو الرجل الذي أكرم زوجك وسانده في بداية حياته لعله يرجع إلي رشده ويدرك خطأه, ويحاول إصلاح ما أفسده بتصرفاته غير العقلانية.
وإذا اتفقتما علي مواصلة الحياة معا من جديد, فلتكن هناك شروط واضحة ومحددة أولها وأهمها عدم تدخل أخته في حياتكما بأي شكل, وكفي ما ارتكبته من آثام في حقك حتي حدث ما حدث, علي أن تحتفظي معها بعلاقة طيبة, وتسامحيها علي ما مضي, ولتبدأوا جميعا صفحة جديدة.
وألفت نظر زوجك إلي أن حياته منذ ارتباطكما, قد اعتمدت عليك وعلي صنيعك له ولأولادكما, وانه يجب أن يبذل كل جهده لتعويضك عما لا قيته من متاعب وآلام. لا أن يطعنك هذه الطعنة الغادرة وليعلم انه لو استمر فيما هو سائر فيه بالخلاص منك,فسوف يندم ندما شديدا حين لايجد من يربي أطفاله الخمسة, فلا زوجته سوف تتحمل هذا العبء, ولا أخته ستنجح في هذه المهمة, وربما تكونين وقتها قد تزوجت من آخر وصارت لك حياتك الجديدة, وقد لا يقبل من ترتبطين به بعد ذلك أن تضمي أولادك إليك إذا بعث بهم أبوهم إليك.
هكذا تقول تجارب الحياة, فليراجع زوجك موقفه منك, وفي أفكاره عنك التي سممتها له أخته حتي لا تتدهور الأمور بينكما إلي ماهو أسوأ من ذلك, وأتذكر هنا قول عبدالكريم بكار إن المراجعة والنقد الذاتي يسببان آلاما, ولكنهما يمثلان الخطوة الأولي علي طريق إيقاف التدهور.. ولتكن البداية هي محاولة تجفيف منابع الخلاف والاتفاق علي أسس جديدة لحياتكما المقبلة. وإلا فإن الحل سيكون الانفصال, فأحيانا يصبح البتر هو العلاج الوحيد الناجح واللازم لاستمرار الحياة.. أسأل الله أن يهديكما إلي حل وسط يكفل لكما تربية الأبناء في بيت يسوده الاستقرار والهدوء. فهم أغلي ما في الوجود.