رحلة عقل
كيف بدأ الخلق؟
27/04/2013 01:26:59 ص
[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط] - بقلم :- عمرو شريف
عمرو شريف
أستاذ الجراحة العامة - كلية الطب - جامعة عين شمس
من أكثر القضايا أهمية في مناظرات المؤمنين والملاحدة قضية "كيف بدأ الخلق؟". وفي ضوء مكتشفات العلم الحديث صغت سيناريو الخلق نثراً، فقلت: كان عدماً مطلقاً... لم يكن هناك شئ... بل لا ينبغي أن نقول هناك، فلم يكن ثَمَّ هناك... وفجأة: انفجر شئٌ ما... انفجاراً أعظم... فبزغ الزمانُ والمكان، وخُلِقَت الطاقةُ ثم المادة... لقد خرج الوجود إلي الوجود... ثم ظهرت شظية الأرض المستعرة... وأخذ الكوكب الوليد في التَبرُّد... وفجأة تحرك جنين الحياة في أحشاء أمنا الأرض... ثم انهمر سيل الكائنات الحية من رحم الحياة... حتي جاء الإنسان... ثم جئنا أنا وأنت... ونطالع أول عرض لقصة الخلق في الديانة المصرية القديمة:
في البدء لم يكن إلا الإله الواحد الأحد "أتوم"، الذي كَوَّن نفسه في المياه الأبدية "نون"، قبل أن تتكون السماء والأرض، وقبل أن تُخلَق الدودة والعلقة. وقف "أتوم" فوق حجر الـ "بن بن" علي أحد تلال هليوبوليس، فوجد نفسه وحيداً، وفكر في أن يخلق له رفقاء، فحمل من نفسه، ثم تَفَل، فكان الإله "شو" (إله الهواء) - والإلهة "تفنوت" (إلهة الحرارة) "إشارة إلي خلق المادة والطاقة". وأنجب شو وتفنوت الإله "جب" (إله الأرض) والإلهة "نوت" (إلهة السماء) "إشارة إلي خلق المكان". ثم أنجب هذان الإلهان: الإله أوزوريس، إله الخلود. والإله ست، إله الليل. والإلهة إيزيس، إلهة الفجر. والإلهة نفتيس، إلهة الغَسَق "إشارة إلي خلق الزمان". ويمثل هؤلاء الآلهة "التاسوع المقدس" الذي عبده المصريون باعتباره تجلي للإله الواحد "أتوم"، وذلك قبل أن تتجمع السُّلطة في يد حورس (إله النهار) ابن إيزيس وأوزوريس.
وتأتي قصة الخلق في سفر التكوين في التوراة بالتسلسل التالي:
في البدء خلق الله السموات والأرض... وفي اليوم الأول خلق الله النور... وفي اليوم الثاني خلق الماء والسماء... وفي اليوم الثالث خلق الأرض وظهرت النباتات... وفي اليوم الرابع ظهرت الشمس والقمر والنجوم... وفي اليوم الخامس ظهرت الأسماك والطيور... وفي اليوم السادس ظهرت الحيوانات البرية، وذكور وإناث الإنسان... ثم استراح الله في اليوم السابع... هكذا تروي لنا الديانة المصرية القديمة والتوراة قصة الخلق...
أما في الإسلام، فللقصة شأن آخر...
فالقرآن الكريم يخبرنا ببعض الخطوط العريضة والمفاهيم الأساسية حول خلق الكون والحياة والكائنات والإنسان، ثم يطالبنا بأن نَكِد ونجتهد في البحث الذي لا يتوقف عند الإلمام بتفاصيل قصة الخلق، ولكن يستمر للتوصل إلي كيفية الخلق:
»أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَي الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَي السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَي الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَي الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَت« الغاشية: 17 - 20
بل ويطالبنا القرآن بالبحث في علوم البدايات، كيف بدأ خلق الكون والحياة والإنسان: »قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْق« العنكبوت: 20.. ولا يعترف الإسلام بمفهوم يروج له الكثيرون، وهو أن "العلم للعلم"، بل يُعرفنا أن لهذا العلم غاية. فالقرآن الكريم يخبرنا أن علوم الخلق تُسْلمنا إلي الإيمان اليقيني بالله
»سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ أَنَّهُ عَلَي كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد فصلت: 53«.. هكذا يكون منهج الإسلام في بحث قضية الخلق: إخبار بالخطوط العريضة،
ثم دعوة للبحث العلمي الذي تسلمنا نتائجه إلي الإيمان بالله .[b]