وصية حكيم
السياسة بشكل عام تعني حسن التدبير والقيام بالأمر بما يصلح الناس.
والتدبير يكون بالعقل والمعرفة والتروي, والسياسة تقتضي اللين والرفق والتأني مع الشدة في موضع الشدة, والحرص علي حسن القيام بأمور الناس بالكياسة والذكاء, وهي أيضا تصون الأعراض وتنقاد للعدل, وتصبر علي الأذي, وتستعمل القوة لنجدة الضعيف, وترفع الظلم وتقاوم الفساد. ويقول كونفوشيوس إن السياسة هي الإصلاح, فإن جعلت صلاح نفسك أسوة حسنة للرعية, فمن الذي يجترئ علي الفساد؟ ويقول الجاحظ: الحاكم العادل لا يستبعد الشوري ويستمع إلي أصحاب العقول في الدولة وذوي الرأي ويتيح المناظرة والجدل. ويقول المثل العربي: لا تغز الا بغلام قد غزا, أي لا تستعمل أحدا إلا إذا كان ذا تجربة. والحاكم يحتاج في حكمه إلي سياستين, واحدة لتقوية ملكه والأخري لجماله, وسئل ذات يوم لويد جورج السياسي البريطاني, كيف بقيت في الحكم مدة طويلة؟, فقال: إني ألائم بين ما أضعه في السنارة وبين نوع السمك. ويقول قيصر في رسالة الي كسري: كيف دامت لك الطاعة واستتبت لك الأمور؟ فكتب إليه كسري: إني استخدم في أعمالي الأكفاء وعقوبتي للذنب لا للغضب, واستلمت قلوب الرعية بالحرص علي منافعها ولم أخيب قصد من رجاني, ولا قطعت حبل من وصلني, ولا رفعت نفسي عن أحد من ذوي رحمي, ولا نصرت أحدا من قومي, ولا أخرت مجازاة محسن, ولا غفلت عن عقوبة مجرم, ولا احتجبت عن مظلوم. فلما قرأ قيصر كتاب كسري كتب اليه: يحق لمن كانت له هذه السياسة أن تدوم له الرئاسة. وفي الزمان القديم حظي الحاكم بالاحترام والتقدير وترددت عبارة رئيس شعبك لا تقل فيه سوءا. وقد أوصي الحكيم آني ابنه قائلا: تكلم صوابا وتخير أحسن الحديث واحتفظ بسيئه في جوفك, إنه ينبغي علينا أن نتعلم نقد الحاكم بشكل بناء ومهذب, ولنعلم أن التوقير يختلف عن المجاملة والنفاق. وما نراه اليوم من تطاول ونقد جارح لا يتفق مع قيمنا وأخلاقنا وتعاليم ديننا.[b]