الطاعة العمياء.. تصيب الزوج بالملل
ولكن الحياة الزوجية بمشاكلها أثبتت أيضا أن طاعة الزوجة العمياء لزوجها تجعل الرجل يشقي ويمل من الحياة الزوجية وربما تجعله (يطفش) من البيت, حسبما أكد أساتذة الطب النفسي وعلم النفس د. محمد أحمد عويضة أستاذ الطب النفسي كلية الطب جامعة الأزهر يقول:
هذا الموضوع يمس أهم نقطة علي الإطلاق في البيت المصري وهي كيفية اتخاذ القرار داخل البيت فهي وراء الكثير من المشاكل داخل الأسر المصرية وحلها يكون أحد أهم الأسس التي تقوم عليها السعادة بين الزوجين, ومن ثم وجود أسرة تنعم بهدوء واستقرار حقيقي.
اتخاذ القرار داخل أي أسرة يشبه إتخاذ القرار داخل أي مجتمع يتأثر بعوامل عديدة منها ما هو داخل الأسرة وخارجها, وتكون بداية الإرتباط بأن يلتقي الشاب بالفتاة ويتفقا علي الإرتباط ببعضهما البعض علي أمل أن يستلقيا بعيدا عنهم ويكونا أسرة جديدة ينعمان فيها بحياة سعيدة ومستقرة, ولكن المشكلة تأتي من أن كل طرف سيري الأشياء من وجهة نظره والتي حصل عليها نتيجة تربيته والأنماط التي إكتسبها من أسرته وخاصة الأم ودراسته وخبراته في الحياة, لذلك نجد كل طرف يسعي للسعادة كيفما يراها, ففي فترة الخطبة لا يتناقش الخطيبان بصراحة كاملة حول أمور حياتهما. بحيث يقوم كل طرف بطرح وجهة نظره وأن يجدا طريقة للاتفاق بين رغباتهما بل يقضيا فترة الخطوبة في كلام الحب المجرد والعواطف الملتهبة, والفتاة تري في فترة الخطبة فرصة للخروج والتخلص من سجن الأسرة.
لذلك تنقضي فترة الخطبة في الاستمتاع بالفترة الراهنة أكثر من التخطيط للمستقبل ولا يتم التعرف بشكل حقيقي علي شخصية الطرف الآخر وآماله وأحلامه ووجهات نظره في المواقف المختلفة, وعندما يتم الزواج يدخل الطرفان هذه المرحلة بتصورات مسبقة, فالرجل يتصور أنه هو الرجل ويدعمه المجتمع الذكوري ويعلي من قيمة كلمة الرجل في مقابل كلمة المرأة, لذلك يفترض أن كلمته سيف علي رقبة زوجته وأن رأيه قرار وليس قابلا للمناقشة أو الإلغاء, والفتاة تدخل علاقة الزواج متصورة أن عليها سماع كلام زوجها حتي تتمكن منه لأنه لا يجب أن يحدث خلاف كبير من الممكن أن يؤدي إلي الطلاق خاصة في السنة الأولي من الزواج خوفا من كلام الناس منهم يعتبرون الإنفصال في هذه الفترة مسئولية الفتاه,
فتكون نصيحة الأم لإبنتها بأن تسمع كلام زوجها حتي تمر أول سنة وربما يحدث الحمل والإنجاب وهنا يزداد النفوذ الاجتماعي للمرأة داخل بيتها, فنجد الزوج في هذه الفترة استمتع بدور (سي السيد) يأمر فيطاع, فإذا الزوجة سمعت كلام أمها وأطاعت زوجها تمر السنة الأولي علي خير, ولكن إذا لم تعط الأمر لابنتها هذه النصيحة أو تمردت البنت عليها فيحدث صراع فرض الإرادات ومن الذي يفرض كلمته في البيت فتحدث في السنة الأولي الخلافات والصراعات الكثيرة بين الزوجين, فالرجل يري أن كلامه هو الصائب رغم أنه في أوقات كثيرة تكون المرأة هي الأذكي والأكثر حكمة ويكون رأيها أكثر صوابا وتتمني أن تتصرف هي, فيحدث صراع إرادات القوة من ناحية والمنطق والعقل من الناحية الأخري.
الإسلام لم يطالب المرأة بالطاعة العمياء لزوجها
ولكن في بعض الأحوال تأخذ الفتاه هذا الموقف بشكل تشبثي كنوع من أنواع العناد, وهذا العناد يحمل في طياته عوامل نفسية تخلق أنماطا شخصية منها الفتاه التي كانت مقهورة في بيت أهلها فيحدث عندها رد فعل عكسي وكأنها كانت في حالة انتظار للزواج كي تهرب من القهر المطلق بأن تتحول إلي قاهر مطلق ومن مظلومة إلي ظالمة, فبدلا من أن كان يرفض لها كل شيء تريد من زوجها ألا يرفض أي شيء تأمر فتطاع وهذه الشخصة يطلق عليها الشخصية العندية.
أما النوع الثاني فهي الفتاة التي تربت علي نمط الأم المسيطرة والأب الضعيف فتصورت أن هذا هو النموذج الذي يسود داخل البيوت وخاصة إذا كان بيتها مستقرا وليس به مشاكل فالأم مسيطرة والأب استسلم لهذه السيطرة فتري أن هذا النمط هو الذي يخلق السعادة, فتتشبث بوجهة نظرها ليس بسبب العناد لكن بقدر ما هي متصورة أنه هو النمط الذي يحقق السعادة والاستقرار الذي كانت تعيشه في بيتها وأن الأمر إذا ترك للرجل فهو لا يملك الحكمة ومن الممكن أن يخرب البيت ويتزوج من أخري, وهي تريد أن تحكم السيطرة علي البيت من أجل استقرار البيت وليس لمجرد العناد,
والنوع الثالث الفتاة التي تعاني من عقدة الاسترجال بمعني أن صورة الذكر عندها مشوهة عبارة عن ذكر ظالم مستبد وحشي وخاصة إذا كان أبوها يضرب أمها ويهينها أمامها ورأت هذه المواقف كثيرا وكانت تشعر أثناء الشجار بين الوالدين بالرعب والخوف وتبكي, فتترسب في أعماقها هذه الصورة النمطية عن الرجل وعندما تكبر وتقوي وتتسلح بالعلم والوظيفة, وتتزوج تشعر بأنها تريد أن تقهر الرجل أيا كان هو وهذا ما يجعلها تعاند في تصرفاتها ولا تخضع لزوجها وهذه النوعية تريد أن تظهر زوجها وكأنه ليس رجلا وحتي في العلاقة الخاصة تحاول أن تعجزه وهذا يحدث علي المستوي اللاشعوري, أما علي المستوي النفسي فهي تكسر كلمته بحيث يشعر إن هذا الجبل الذي يتصور أن رأيه يساوي قرارا تريه أن رأيه لا يساوي شيئا وبهذا تدمره علي المستوي الجسدي والنفسي, وبالتالي كثير من الرجال يرفضون هذا فيحدث الشجار والفشل في العلاقة الزوجية ولكن الرجل الذي (يطفش) من هذه المرأة هو الرجل الذي يشعر بالمشكلة فهناك بعض الرجال يستمرون في هذه الحياة ويستسلمون فعليا أو ظاهريا ويبحث علي المرأة التي تشعره بالرجولة في صورة الخادمة أو راقصة درجة عشرة.
أما النمط الرابع الذي يجعل المرأة تستمر في عنادها فهي المرأة التي لديها مفهوم الاستقلال والمساواة خاطئ فهي لا تتنازل عن رأيها وتستبد به لأن التنازل يعني التخلي عن كرامتها, فهي تري رأيها جزءا من شخصيتها وهذا يرجع إلي سبب نفسي مكتسب ممن حولها ويعزز بكلام الصديقات والأمهات مثل كلمات (ده جوزها ممشيها وراه وماحي شخصيتها) فيترسب في أعماقها بأن تحافظ علي شخصيتها عن طريق أن تصبح (رأس برأس زوجها) وهذا يجعلها عندما يقول لها زوجها شمال تقول هي يمين وحتي إذا كانت مقتنعة بأن كلامه هو الصواب, وهذا النمط يجعل الرجل السوي يهرب من بيت الزوجية.
أما النوع الآخر فهي الفتاة التي قهرت وسلمت أسلحتها بحيث أصبح القهر سمة لديها وتتلذذ بأنها مقهورة وعندما تتزوج تطيع زوجها بغير أن تبدي أي اعتراض علي الأشياء التي تضايقها.
أما النوع الثالث هي الشخصية الاكتئابية وخاصة إذا كان الاكتئاب من النوع الداخلي بأن يكون عدوانها موجها لذاتها أي عندما تحبط خارجيا يتحول إحباطها إلي عدوان علي نفسها بأن تلقي اللوم علي نفسها وتجد الأعذار لزوجها سواء في إهانته لها أو حتي ضربها وترجع هذا إلي سوء تصرفاتها معه ولذلك تكون مطيعة حتي تهرب من أسر لوم الذات, وموقف الرجل يتفاوت فقد يكون سعيدا في أول حياته الزوجية بهذا النمط لأنه يحقق له مقولة تربي عليها من الصغر وهي إن (الكلمة كلمة الرجل والشورة شورته في البيت) وبالتالي عندما يجد زوجته تقول له (حاضر) يتباهي بذكورته وينظر للرجال الذين لديهم مشاكل في بيوتهم علي أنهم غير قادرين علي حكم زوجاتهم وبذلك تأخذ آراءه شكل التطرف بأن يري الرجل هو الذي لابد أن يحكم بيته ويمسك بيته بيد من حديد وينطبق عليه مثل (يا فرعون إش فرعنك قال مالقتش حد يلمني), ومن الممكن أن تستمر سعادته طوال العمر وخاصة إذا كان غير واع وثقافته محدودة.
أما الرجل المثقف فسوف يفيق مع الوقت ويفاجأ بأن عبء البيت كله عليه من أول توفير مصروف البيت إلي مذاكرة الأولاد واختيار الملابس وبرنامج الأجازات وهو صاحب القرار في كل شيء فيشعر بأنه مرهق والعبء ثقيل وليس هناك أحد يعاونه ويساعده بسبب أنه لا يمكن أحد أن يأخذ قرارا دون الرجوع له, فيشعر بالاختناق والهم ولهذا يأخذ موقفا من المواقف الآتية: إما يتمرد ويبحث عن امرأة أخري لها شخصية قوية ومستقلة عكس زوجته, أو أنه يترك أي (يطفش) من هذا الحمل ويترك (الجمل بما حمل) وهناك نماذج كثيرة سمعنا عنها أن رجلا ترك زوجته وأولاده ولم يرجع لهم, وهذا النمط الرجل هو الذي يشقي فيه رغم أنه كان في بداية الزواج سعيدا به.
والغريب أن الزوجة هي التي تكون أكثر سعادة فهي تأخذ كل الحقوق وليس عليها أي التزامات ولكن الذي يدفع الثمن هو الزوج, فبالتالي الرجل الذي كان يشعر بالسعادة لأنه (سي السيد) هو أكثر شخص يعاني الشقاء ويكتشف وهم (سي السيد) وأن كلمة سيد قراره لا يمكن أن تكون في البيت, إذا كلا الطرفين وهما علي النقيض الزوجة العنيدة جدا والتي تناطح زوجها والزوجة الخاضعة تمام الخضوع لزوجها وتطيعه طول الوقت ولا تعبر عن رأيها كلاهما يؤدي إلي عدم السعادة الزوجية وشقاء الزوج أو الزوجة وعذاب الأبناء.
وعن كيفية الاعتدال في العلاقة بين الرجل والمرأة قال د. عويضة كما قال أساتذنا إن الفضيلة وسط بين نقيضين, فالاعتدال والوسطية في اتخاذ القرار داخل الأسرة هي الصفة المطلوبةوالمرغوبة والتي تحقق الاتزان للأسرة والسعادة لكل من الطرفين والمصلحة العامة للأسرة بصرف النظر من الذي اتخذ القرار, ومن هنا ننادي أن تكون فترة الخطوبة لدراسة شخصية كل من الطرفين والتوصل إلي حلول وسطية لمطالبهم وأن يوضح كل طرف وجهة نظره للطرف الآخر بكل صراحة ولا يخف من هروب الطرف الآخر منه فالبعض يخشي أن يعبر عن وجهة نظره الحقيقية خوفا من فقد الطرف الآخر, فالخطوبة الهدف الحقيقي منها إن كل طرف يتعرف علي وجهة نظر الآخر مع وجهة نظره ويصلوا إلي وجهة نظر ثالثة للطرفين وهي تحتوي وجهتي نظرهم وإن تكون فترة الخطوبة بناء إلي ما بعدها, وبعد الزواج لابد أن تكون المسئولية والقرارات مشتركة بين الطرفين ويكون شعارهم إن هناك ديمقراطية في اتخاذ القرار مع ديكتاتورية في التنفيذ بمعني أن في حالة اتخاذ القرار يجلس الطرفان ويتناقشون أكثر من مرة حتي يصلوا إلي قرار يرضي الطرفين ويتفق مع المبادئ والأخلاقيات العامة وديننا وعندما يضعوا القرار لابد أن يقيموا علي تنفيذ القرار.
وتري د. سلوي عبد الباقي أستاذ الصحة النفسية كلية التربية جامعة حلوان أن المرأة المطيعة سواء لزوجها أو مديرها في العمل طاعة عمياء تلغي عقلها فلابد للإنسان أن يفكر, فهذه المرأة لا يمكن أن تصبح خلاقة, فهذا النمط يسمي الشخصية المسطحة وليس لديها وجهة نظر, وهذه الشخصية لا يمكن أن تكون علاقتها بزوجها سليمة وكذلك علاقتها الاجتماعية سواء بزملائها أو جيرانها وحتي أهلها, لأنها فقدت أهم شيء في الكائن الإنساني وهو العقل ومنه نستقي الرأي.
أما المرأة العنيدة فهي متصورة أنها تمتلك الحقيقة المطلقة والحياة ليس بها حقيقة مطلقة فكل شيء نسبي وقد يكون الشخص علي صواب أو علي خطأ والإنسان الذي يؤمن بهذا تكون شخصيته مرنة وهذه المرونة مهمة للنجاح في الحياة, فالإنسانة المتسلطة تؤمن بأشياء ليس لديها استعداد لتغيرها فتعيش عمرها كله بنمط حياة واحدة ولهذا لا يمكن أن تنمو شخصيتها, فهي لابد أن تسمع الآخر حتي ولو كان طفلا من الممكن أن يلفت نظرها لشيء معين, فهذه الشخصيات لا تكون لديها كفاءة ولديها بعض الاضطراب في الشخصية بنسب متفاوتة, والشخص الكفء هو الذي يكون لديه الوسطية في كل شيء.
وتؤكد الدكتورة سلوي أن هذه الشخصيات فاشلة ليس في حياتهم الزوجية فقط إنما أيضا في عملهم وفي حياتهم الاجتماعية وليس لديهم جودة الحياة بوجه عام ولا يستطيعون أن يحققوا قدرا من الرفاهية والسعادة في الحياة, رغم أن حياتهم الزوجية تتأثر بشكل كبير لأنها تحتاج إلي تناغم وتكامل في العلاقة.
أما عن طاعة الزوجة لزوجها في الإسلام فيقول الشيخ منصور الرفاعي عبيد وكيل وزارة الأوقاف لشئون القرآن سابقا إن الإسلام لم يطالب المرأة بطاعة عمياء لزوجها وإنما الإسلام طلب من المرأة أن تطيع زوجها في كل ما يتفق مع عقلها وكيانها فإن كانت هناك قضية مخالفة لرأيها فلتناقشه فيها مناقشة الند للند وتقدم الدليل علي رأيها,
لأن الإسلام لا يحجر علي رأي ولا عقل أحد, فكيف وقد خلق الله لنا العقل وأمرنا أن نستخدمه وقال لنا في أكثر من 150 آية إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) (إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون فعندما أقول للمرأة ألغي عقلك كأنني أقول بإلغاء شيء خلقه الله, فطاعة الزوجة لزوجها فيما اتفق عليه الوضع الاجتماعي والوضع الشرعي الديني والعرف والبيئة, فعندما يقول الزوج لزوجته لا تخرجي من البيت إلا بإذني لابد أن تتناقش معه وتعرف منه وجهة نظره فربما يخاف عليها من تصرفات الغير ولابد أن تقتنع الزوجة برأي الزوج حتي تنفذه.
كلمات البحث: الطاعة - العمياء - تصيب - الزوج - بالملل
[b]
الرئيسية 
التسجيل 
دخول 
السبت 13 أبريل 2019, 12:01 pm من طرف الكاتب والمفكر محمد موسي
