[b]
اعلانات
الصفحة الأولى | بريد الجمعة
يكتبه - احمد البرى:
الحقيقـــــة الغائبـــــة!
34176
عدد القراءات
يلجأ إلي الكثيرون من معارفي وأصدقائي لاستشارتي في أمور تخصهم ويستعينون برأيي في حل مشكلاتهم, ويقولون ان الله وهبني قدرا كبيرا من رجاحة العقل.
<="" div="" border="0">
يساعدني علي ابداء الرأي السليم, ومع ذلك توقف عقلي تماما ووجدتني عاجزة عن التفكير وأنا أبحث عن حل لما أعانيه, ولا أستطيع أن أتخذ القرار الذي يقيلني من عثرتي وينتشلني من حيرتي, ولم أجد من ألجأ اليه سواك لكي تشير علي بما أفعله من خلال خبرتك الطويلة مع تجارب الآخرين, فأنا عضو في هيئة التدريس بكلية نظرية في إحدي الجامعات, وقد بلغت هذا العام سن الثلاثين وأتمتع بقبول من حولي, ربما لما أتصف به من خلق ودين وجمال, ولذلك كثر خطابي, ولما لم أجد بينهم من هو مناسب لي, أو قل من ألمس فيه النصف الثاني الذي يجعلنا نتكامل حتي تمضي بنا سفينة الحياة إلي بر الأمان فقد أجلت مسألة الارتباط, وأنا مدركة تماما معني بلوغ فتاة سن الثلاثين بلا زواج في أوساطنا الاجتماعية.
ومنذ أسابيع تقدم لي عن طريق واحدة من معارف أسرتي رجل يكبرني بأثني عشر عاما, مطلق, ولديه طفل لم يكمل بعد عامه الثاني, وهو حاصل علي بكالوريوس تجارة ويعمل في شركة أجهزة طبية بإحدي الدول الاسكندنافية منذ ما يزيد علي عشر سنوات, وقد تزوج مرتين.. الأولي من فتاة أجنبية بالدولة التي يعمل بها, وطلقها بعد عام ونصف العام من الزواج, ولم يرزق منها بأولاد وكان سبب زواجه منها هو مساعدته في الحصول علي جنسية هذه الدولة كما يفعل عادة معظم الشباب المسافرين بغرض الهجرة.. والثانية هي أم ولده والتي طلقها كما قالت لي السيدة التي جاءتني طالبة يدي له بعد أن اكتشف انهما ليس علي وفاق, فالخلاف بينهما كان دائما, والشجار لا ينتهي, ولذلك آثر الانفصال عنها ولم يظلمها أو يبخسها شيئا من حقوقها وحقوق ولده المادية والمعنوية.
ولم أمانع في مقابلته عسي أن يكون هو نصيبي, فوافقت علي لقائه في حضورها اليوم التالي, حيث كانت اجازته قد انتهت وسيكون اللقاء فرصة للتعارف يمكننا بعده الاتصال والمتابعة لبحث مسألة الزواج, والتقينا في مكان عام, ولا أنكر انني لمست بيننا توافقا فكريا لم أجده فيمن تقدموا لي من قبل, وأحسست أن قلبينا تآلفا, وكأنني أعرفه منذ سنين وليس تعارفا وليد اللحظة, ولم يطل اللقاء, وتبادلنا أرقام الهواتف, وقال لي قبل أن يغادر المكان إن عقله جذبه إلي قبل قلبه, ووجدني مختلفة تماما عن زوجتيه السابقتين وأكد تمسكه بي وأنه سيحافظ علي ثم قال عبارة مازالت ترن في أذني بأنني صوت ضميره وطوق نجاته, وأضاف في كلمات متتابعة شدتني اليه وجعلتني أتوقف أمامها مليا, انني احاول المواظبة علي الصلاة والاقلاع عن التدخين, والعودة نهائيا الي أرض الوطن, أو علي الأقل البحث عن عقد عمل بإحدي الدول العربية أو الاسلامية.
وانصرفنا وجلست الي نفسي أفكر في كل ما قاله, خصوصا في أنه يريد أن يعمل في بلد عربي أو اسلامي, فما يحيرني بل ويخيفني ويؤرقني انني لا أعلم شيئا عن سلوكه في تلك الدولة الأوروبية, وبالطبع لا يمكنني أن اتوصل إلي الحقيقة الغائبة عني, ولذلك فإن القلق يقتلني.. هل وقع في الفتن؟ هل ارتكب الخطيئة التي يقع فيها الكثيرون ممن يسافرون الي تلك الدول قبل الزواج؟.
لقد سألته سؤالا عابرا عما اذا كان قد فعل شيئا من ذلك, فأخبرني انه تعاطي الخمر مرة واحدة في الأيام الأولي لوصوله الي تلك الدولة, لكنه ايقن خطأه, وأقلع عنها علي الفور, وأكد انه صادق فيما يقول لانه لا يعرف الكذب.
ولا أخفيك سرا يا سيدي انني من احساسي الداخلي وما مررت به من مواقف كثيرة أشك فيما قاله, كما تأكدت انه يجمع صلوات اليوم كلها في وقت واحد نظرا لطبيعة عمله التي أخبرني بها, مع الوضع في الحسبان ان الدولة التي يعمل بها من الدول التي يغلب عليها العنصرية ضد الاسلام.
وكثيرا ما سألت نفسي, هل ينوي فعلا الرجوع الي مصر, وهو الحاصل علي جنسية تلك الدولة الأوروبية, والتي يعتبر البعض حصوله عليها شيئا ثمينا, وهل يستطيع التخلي عن العائد المادي الكبير الذي يحصل عليه هناك؟
.. لقد قال لي انه حاول اقامة مشروع في مصر ولم يحالفه التوفيق.. وانه حريص علي قضاء اجازته وسط أهله وأحبابه.
وأريد أن أسر اليك بسر آخر هو أنه في مثل طولي ونحيف الي حد ما, ويخيل لمن ينظر الينا معا انني أطول منه.. وهنا يبرز أمام ناظري حديث الصحابية التي جاءت الي رسول الله صلي الله عليه وسلم تشكو من أن زوجها قصير بين الرجال, ففهم الرسول انها لا ترتاح اليه فقال صلي الله عليه وسلم ردي عليه حديقته وهي الحديقة التي كان قد أهداها لها.. ثم طلب منه ان يطلقها تطليقة.
واجدني الآن خائفة جدا, وأسأل هل يكفي التوافق الفكري الذي أحسست به من اللقاء الوحيد الذي حدثتك عنه لاقامة حياة زوجية ناجحة؟.
<< ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
من المهم أن تعرفي كل شيء عن الرجل الذي يرغب في الارتباط بك, سواء فيما يتعلق بحقيقة وضعه في الدولة التي يحمل جنسيتها, ومدي صدقه في العودة النهائية إلي مصر, وكذلك أسباب زواجه ثم انفصاله عن زوجتيه السابقتين, فإذا كان قد انفصل عن زوجته الأجنبية بعد حصوله علي جنسية تلك الدولة, وهو أمر مرفوض فيمن يسعي إلي الاستقرار وإقامة حياة زوجية ناجحة, فما الأسباب التي دفعته إلي تطليق زوجته الثانية بعد إنجابه طفلا منها, فاختلاف وجهات النظر وحده لا يترتب عليه مثل هذه النتيجة القاسية, وما لها من انعكاسات خطيرة علي تفكك الأسرة, ونشأة الأبناء تنشئة غير سوية, خصوصا بعد زواج كل من الأب والأم وانشغال كل منهما بحياته الجديدة.
أقول: من المهم أن تتعرفي بوضوح علي هذه الجوانب الغامضة, وتتحري الدقة فيها.. ثم أين أسرته وأسرتك, إذ لم تذكري شيئا عنهما؟ وهل جاءك طالبا يدك عن طريق واحدة من معارفكم دون أن يخبر أهله بما اعتزمه؟ ولماذا لم يأت معه أحد من أفراد أسرته في لقاء التعارف؟
انكما مازلتما في مرحلة التعارف, ولم يتقدم إليك رسميا حتي الآن, وبالتالي فإن أمامك متسع من الوقت لدراسة الموقف كاملا, أما مسألة الطول والقصر فهي مشكلة نفسية تخصك وعليك ان تحددي إن كنت تقبلينه علي حالته هذه أم لا؟ وعليك أن تحصلي علي إجابات كاملة عن الأسئلة التي تؤرقك, فإذا اطمأننت إلي صدقه ونقاء سريرته فتوكلي علي الله, واتخذي قرار الزواج منه, ويكفيك أنك أخذت بالأسباب, ثم تركت الأمر له عز وجل ليرشدك إلي طريق الصواب إن الله يحب المتوكلين, فالقرار الصحيح يكون مبنيا علي أسس سليمة راسخة, وما اتخذ أحد قرارا دون دراسة إلا وأصابه القلق والحيرة والاكتئاب والشك, وعاش في ألم مستمر وصداع دائم.
ويتعين عليك أيضا أن تشاوري أهلك, وأن تستخيري الله, وأن تعيدي التفكير برجاحة عقلك, واتزان تفكيرك في أمر هذا الرجل, فإذا غلب علي ظنك قرار الارتباط به, فأقدمي عليه بلا تردد, فلقد انتهي وقت المراجعة, وحان وقت التنفيذ, وتخلصي من حالة الاضطراب التي تعيشينها منذ سنوات طويلة.
واعلمي أن التردد مرض لا دواء له إلا الثبات والعزيمة, ومن يسمح له بالتسلل إليه يكون مصيره الإخفاق والتشتت, وعليك ببيت الشعر الذي يقول:
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة
فإن فساد الرأي أن تترددا
وخلاصة القول: عليك أن تدرسي الأمر جيدا, وأن تتأملي المسألة كلها, وتستشيري أهل الرأي, وتستخيري رب العزة عز وجل, ثم تنفذي ما يظهر لك علي الفور من دلائل القرار الصحيح وعلاماته, وفقك الله وسدد خطاك, وعلي طريق الحق هداك.. إنه علي كل شيء قدير.
Share/Bookmark طباعة