بيت من زجاج
- طلقني··
قلتها له ألف مرة بدموعي، وقلتها ألف·· ألف مرة بيني وبين نفسي، قلتها حين اكتشفت أنني أسير على سطح من القش أسفله بئر عميقة، وأن حركة واحدة ثقيلة ستهوي بي إلى القاع، قلتها حين أحسست أن البيت الذي حسبته جنتي على الأرض، ليس سوى ديكور زائف، ديكور جميل وراقٍ لكنني مع الوقت كنت أشعر بأنني جزء من الأثاث، ربما مقعد أثير أو لوحة على الحائط أو ستارة ملونة يتراكم عليها غبار الملل يوماً بعد يوم·
- طلقني··
قلتها حين انطفأت نار الحب أو كادت، وبدا أن الرماد هو النهاية التي سأكون عليها، وأن قلبي أضحى أرضاً جافة، وليالي البيت مكررة دون دهشة، كأنني أحتاج إلى معجزة في زمن لا معجزات فيه، كيف أعيش- إذن- جسداً بلا روح؟ كيف أموت ببطء لأن الدماء التي يجــب أن تتــدفـق في شرايـين حياتـي الزوجيـة صـارت هـواء قـديمـاً لا يهب السعـادة أو الاطمئنان؟
- طلقني··
كلمة وأمنية وحلم طالما تراقص على شفتي، ها أنا اليوم رهينة المحبسين: البيت واليأس، أحلم بحريتي، أحلم بطيران بعيد عن قفص ذهبي تحول الزوج فيه إلى حارس على بابه، وتحولت شخصيتي إلى صورة باهتة في بطاقة الهوية، أعيش حرية ظاهرها البهجة، لكن القلب تنقصه البهجة، القلب فارغ والروح ترعد فيها الرياح·
- طلقني··
لكنه لم يسمعها حين قلتها بصوتٍ، وحين قلتها بنظرة، وأصبح السجن أضيق من ثقب إبرة، ولماذا لا يمنحني حريتي طالما أن بيتنا لم يكن سوى بيت من زجاج، قد يتكسر على رؤوسنا، اليوم كم أتمنى لو أن العصمة كانت في يدي، وربما وقتها كنت سأعفيه من الإحساس بالمرارة، وكنت سأعفي نفسي من النظر في المرآة التي تنعكس علـى وجهـها صـورة امـرأة لا تقـدر أن تتــحرر مــن رجـل لا يقـدر أن يمنحـها ثقـة في نفسهـا·· وفـرحاً بالحياة·[b]