معجزة الطيران عند الطيور
تحورات للطيران
نظام التوازن
كيف يحمل الهواء الطائر
آليات الطيران المتقنة
الرفرفة والتحليق
قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ) (النور:41)
وقال تعالى : ( أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) ( النحل:79 )
لقد أشارت هاتان الآيتان إلى ناحيتين من نواحي الإعجاز العلمي في القرآن في قوله صافات في سورة النور و التي تشير إلى تثبيت الطير لجناحيه وعدم تحريكهما أثناء الطيران و ذلك من أجل الاستفادة من التيارات الهوائية و قوله مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله وهي تشير إلى الأنظمة التي خلقها الله في جسم الطائر وفي الهواء التي تمكن الطائر من الطيران في الجو.
يقول تعالى: (أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شىء بصير)
وهذه الآية الكريمة جاءت فى نهاية الثلث الثانى من سورة الملك وذكر فى صفوة التفسير : ولما كان الغالب هو فتح الجناحين فكأنه هو الثابت عبر عنه بالاسم ( صافات ) وكان القبض متجدداً عبر عنه بالفعل (ويقبضن). فلماذا لم يقل (قابضات) على طريقة (صافات) ؟ فالجواب أن بسط الجناحين هو الأصل فى الطيران , كما أن مد الأطراف هو الأصل فى السباحة فذكره بصيغة اسم الفاعل (صافات) لدوامة وكثرته وأما قبض الجناحين فإنما يفعله الطائر قليلاً للاستراحة والاستعانة فلذلك ذكره بلفظ الفعل لقلته. والصف هو أن يبسط الطائر جناحيه دون أن يحركهما .
فى طيران الطيور آيات معجزات لم نفهم بعضها إلا بعد تقدم علوم الطيران ونظريات الحركة (الديناميكا) الهوائية ولكن أكثر ما يثير العجب هو أن يمضى الطائر الصافة تركب متن التيارات الهوائية المساعدة التى تنشأ إما من اصطدام الهواء بعائق ما , أو من ارتفاع أعمدة من الهواء الساخن , فإذا ما كانت الريح هيئة ظلت الأعمدة قائمة وصفت الطيور فى أشكال حلزونية , أما إذا اشتدت انقلبت الأعمدة أفقياً فتصف الطيور فى خطوط مستقيمة بعيدة المدى . وتتحلى الطيور عامة بخصائص منها خفة الوزن , ومتانة البناء , وعلو كفاءة القلب ودور الدم وجهاز التنفس , ودقة اتزانها , وانسياب أجسامها , وهى خصائص أودعها فيها العليم البصير لتحفظها فى الهواء حين تبسط جناحيها أو تقبضهما , إلا أن الطيور الصافة تتميز على سائر الطيور باختصار حجم عضلات صدورها مع قوة الأوتار والأربطة المتصلة بأجنحتها حتى تستطيع بسطها فترات طوال من دون جهد كبير . أما الطيور صغار الأحجام التى تعتمد فى طيرانها على الدفيف فإنها تضرب بجناحيها إلى أسفل وإلى الأمام لتوفير الدفع والرفع اللازمين لطيرانها ثم تقبض أجنحتها ولكنها تظل طائرة بقوة اندفاعها المكتسبة وهكذا يتضافر البناء التشريحى والتكوين الهندسى للطيور بجميع أنواعها على طيرانها وحفظ توازنها وتوجيه أجسامها فى أثناء الطيران .
من الدلالات العلمية للآية الكريمة : إن فى إعطاء الطيور القدرة على ارتقاء الهواء , والسبح فيه بكفاءة عالية لهو من أعظم الدلالات ما يتلاءم مع ظروفها الطبيعية والكيميائية من كائنات كما هيأت كل كائن حى للتوازن مع البيئة التى أنشأتها القدرة الإلهية فيها ومن هنا كان لفت أنظار المكذبين بالدين إلى هذه الحقيقة الكونية التى تمر عليها كثير من الناس بقلوب غافلة وعقول شاردة وأبصار عليها غشاوة لعل ذلك أن يوقظهم من غفلتهم .
تحورات للطيران:
معجزة الطيران الطيور
اكتسبت الطيور خلال تطورها صفات عديدة هيأتها من ناحية البنيان والوظيفة والسلوك للنجاح في الطيران، فانفتحت أمامها فرص عظيمة للنجاح البيولوجي والتطور السريع. ومن أهم تلك التحورات ما يلي:
تحور الطرفين الأماميين إلى جناحين: أصبحا يشكلان عضوي الطيران الأساسيين وقد اقتضى الأمر تغيرات تطورية في هيكل الطرف الأمامي جعلت منه أداة بديعة للطيران، وازداد سطح ذلك الطرف بعدة سبل منها ظهور ثنية جلدية خلفية بين العضد والجذع
وثنية جلدية أخرى أمامية بين العضد والساعد، ثم اختزال عدد الأصابع وحجمها. علما بان الريش الذي يغطي الجناح قوي ومرن وخفيف ويسهم إلى درجة كبيرة في زيادة سطحه دون زيادة ملحوظة فى وزنه .
وقد عادت بعض فصائل الطيور ففقدت القدرة على الطيران، وهنا نجد أن الجناحين أصبحا مختزلين كما هي الحال في النعامة وأقاربها أو تحورا إلى زعنفتين صغيرتين نسبيا كما في البطريق. كما أن الجناحان مدعومان بعظام الطرفين الأماميين والمشدودان إلى الجسم بمفاصل تسهل حركتهما وبعدد من الأربطة والأوتار القوية والمغطيان بالريش بكثافة ملحوظة مما يزيد من مساحة جسم الطائر .
وجود هيكل عظمي للطيور يتميّز بتكيفاته الخاصة للطيران: تمتاز العظام بخفة وزنها وخاصة في الطيور الكبيرة وهذه مسألة مهمة وضرورية لتخفيف الوزن النوعي ومن ثم تمكينها من الطيران يضاف إلى ذلك أن العظام الطويلة الكبيرة تمتاز بوجود فراغات هوائية متصلة بالأكياس الهوائية. ولما كان الطيران يتطلب جسما متماسكا لذا تكون العظام متصلة اتصالا دائما وثابتا فعظام الجمجمة يتصل بعضها ببعض والتحامها التحاما تاما. والأسنان غير موجودة عادة مما يخفف الوزن وتمتاز الجمجمة بكبر حجاج العين. وحدثت الكثير من التحورات في العمود الفقري والأحزمة الكتفية والعجزية , فأن امتداد عظمة القص إلى أسفل على هيئة حافة القارب السفلى معطيه مساحة كافية لارتباط عضلات الصدر المحركة لأجنحة (عضلات الطيران) وتعطيها قدراً من المتانة والقوة ومعظم أجزاء الهيكل العظمى للطيور متراكب وملتحم مع بعضه بعضاً زيادة فى قوته ومتانته فباستثناء الفقرات العنقية فإن بقية الفقرات تلتحم مع الحزام الحوضى مكونة ما يسمى باسم العجز المركب. فاغلب الفقرات ملتحمة، وكذلك عظم العجز المركّب. أما عظم القص الزورقي فيهيئ سطحا كبيرا يساعد في وجود عضلات صدرية كبيرة وهي أساسية في عملية الطيران، وعظم القص أكبر حجما وأكثر بروزا في الطيور النشطة الطيران، كما يضمر ويصبح اقرب إلى التسطح في الطيور عديمة الطيران. وهناك تحورات عديدة في عظام الجناح والأرجل كدمج أو اختزال بعض العظام ، ويلعب الهيكل العظمي دورا بارزا في شكل الجسم الانسيابي.
تتمتع الطيور بجسم غاية فى المتانة رغم تركيب عظامه المجوفة فنرى طائر البلبل الزيتوني الذي يبلغ طوله 18 سم , يبذل ضغطاً يعادل 68.8 كجم لكسر بذرة الزيتون، حيث تلتحم عظام الكتفين والفخذين والصدر مع بعضهما عنده ليتمكن من بذل هذا الضغط وهذا التصميم هو أفضل من ذلك الذي تملكه الثديات ، وهو يبرهن على القوة التي تتمتع بها بنية الطائر . من المميزات الأخرى التي يتمتع بها الهيكل العظمي للطائر كما ذكرنا سالفاً ـ أنه أخف من الهيكل العظمي الذي تمتلكه الثديات فعلى سبيل المثال يبلغ الهيكل العظمي للحمامة 4.4 % من وزنها الإجمالي بينما يبلغ وزن عظام طائر الفرقاط (طائر بحري) 118 جراماً أي أقل من وزن ريشه .
نشأ الريش الذي تطور من حراشف قرنية كانت توجد في أسلاف الطيور من الزواحف. يغطى الريش الجسم بالكامل ويمتد فى الذنب والذى يعمل على تجميع الهواء بين وحداته المختلفة مما يساعد على تخفيف وزن الطائر وعلى حفظ درجة حرارة جسمه المرتفعة من مختلف التقلبات الجوية ويعين الكثير من الطيور على العيش فى المناطق المتجمدة والباردة وعلى تحمل الانخفاض فى درجة حرارة الغلاف الجوى للأرض مع الارتفاع فوق مستوى البحر إلى مسافات شاهقة فى بعض الأحيان , ويمتاز الريش بخفة وزنه وقوته وهو قادر على ضرب الهواء بكفاءة عالية. و والريش له عدة أنواع منها :
الريش المحيط (القلمي): يظهر على سطح الجسم ويعطي شكله العام. وأطول وأقوى الريش المحيط هو الريش القلمي المتصل بالجناحين والذيل. وبفحص ريشة قلمية تحت المجهر تظهر أجزاؤها وقوة تماسكها.
الوبر(الريش الخيطي): يقع عند قواعد الريش المحيط وتمتاز اسيلاته بعدم وجود الخطاطيف.
خفّة الوزن وهى صفة هامة تحققت للطيور عن طريق عدة سمات منها:
- وجود الريش الذي يخفف الوزن النوعي للطائر.
- التحورات الخاصة للهيكل العظمي والتي تميزت بقوته وخفة وزنه.
- اختزال أو ضمور بعض الأعضاء الداخلية في بعض الطيور إذ ليس في الأنثى سوى مبيض واحد فقط. وعادة ما يضمر المبيض في غير موسم التكاثر، كما وان تكوين البيض لا يحتاج إلى فترة زمنية كبيرة فالطيور ليست ملزمة بحمل البيض لفترة طويلة، أما فيما يتعلق بالجهاز الإخراجي فقد اختفت المثانة البولية ويتم التخلص من الفضلات النيتروجينية على صورة حامض البوليك مما يقلل كمية الماء اللازمة للإخراج وعليه فالطائر ليس بحاجة إلى حمل كمية كبيرة من الماء.
شكل الجسم الانسيابي : يسهّل على الطائر اختراق الهواء بأقل مقاومة ممكنة.
معدل عال من الايض والتنفس الخلوي يوفران الطاقة اللازمة للنشاط العضلي الذي يتطلبه الطيران، ويعتمد هذا المعدل الايضي العالي على:
جهاز تنفسي عالي الكفاءة يوفر الكميات اللازمة من الأكسجين والواقع أن التنفس في الطيور أكفئ منه في الثدييات، ويمتاز بالإضافة إلى الرئتين عالية الكفاءة شبكة من حويصلات الهواء التى تتشعب فى مختلف أجزاء الجسم مما يضاعف الحيز الموجود لتخزين الهواء إلى عشرة أضعاف حجم الرئتين و الرئات لها ممرات خاصة لكل من الهواء الداخل إليها والخارج منها وبقدرات فائقة على استخلاص الأكسجين من الهواء مهما قلت نسبته حتى تقاوم نقص هذا الغاز المهم فى الارتفاعات الشاهقة , كما أن وجود الأكياس الهوائية التى تؤدي إلى تخفيف وزن الطائر فإنها تعمل أيضا على تشتيت جانب كبير من الحرارة الناتجة من النشاط العضلي الكبير وبذلك تبقى درجة حرارة الأعضاء الداخلية في النطاق الطبيعي.
صممت رئات الطيور بشكل مختلف عن باقى الكائنات حيث يكون تبادل الهواء في الثدييات ثنائية الاتجاه يسير الهواء في رحلة عبر شبكة من القنوات ويتوقف عند أكياس هوائية صغيرة ، و هنا تأخذ عملية تبادل الأوكسجين وثاني أكسيد الكربون مكانها . يسلك الهواء المستهلك المسار العكسي تاركاً الرئة ومتجهاً نحو القصبة الهوائية حيث يتم طرحه على العكس من ذلك ، فإن التنفس عند الطيور أحادي الاتجاه حيث يدخل الهواء النقي من جهة و يخرج الهواء المستهلك من جهة أخرى .وهذه التقنية توفر تغذية مستمرة بالأوكسجين عند الطيور ، مما يلبي حاجاتها لكميات الطاقة الكبيرة التي تستهلكها ، يتجزأ النظام التنفسى عند الطيور إلى أنابيب صغيرة جداً تتفرع وتتجتمع هذه التفرعات التي تشبه النظام التقصبي مرة أخرى لتشكل نظاماً دورانياً يمر فيه الهواء خلال الرئة باتجاه واحد .
معجزة الطيران الطيور
أن البنية الفريدة لرئة الطائر الهوائية تنبيء عن تصميم يضمن التزود بالكميات الكبيرة من الأوكسجين التي يحتاجها الطائر في طيرانه لدليل آخر من الدلائل التي لا تعد على أن الله هو الذي خلقها بهذه الصورة .
جهاز دوري عالي الكفاءة فالطيور من ذوات الدم الحار وتحافظ على درجة حرارة ثابتة لأجسامها فهي قادرة على الاستمرار في نشاطها الحيوي حتى لو انخفضت درجة حرارة الوسط الذي تعيش فيه. وقلبها ذو أربع حجرات وعليه فالدم المؤكسد مفصول كليا عن الدم غير المؤكسد. والدورة الدموية سريعة وذات كفاءة عالية. وهناك أوعية دموية خاصة تساعد عند الحاجة على سرعة دوران الدم في الجسم، ويمتاز الدم باحتوائه على نسبة عالية من الجلوكوز للتزود بالطاقة المطلوبة.
جهاز هضمي يمتاز بسرعة وكفاءة عملية الهضم وقدرتها التحويلية العالية إلى بناء أنسجة الجسم وعليه فالطيور ذات معدل ايض عالي. وهناك الكثير من التحورات في الجهاز الهضمي بين الطيور تبعا لطريقة معيشتها ونوع غذائها كتحور الجهاز الهضمي في الطيور آكلة الحبوب لتلائم وظيفته مثل الحوصلة والمعدة الهاضمة والقانصة وردبي المستقيم. كما منح الله الطيور القدرة على تناول كميات كبيرة من الأطعمة ذات الطاقة الحرارية العالية تفوق بكثير أوزان أجسامها
وهناك تحورات أخرى ساعدت الطيور على ارتياد الهواء بيسر وسهولة منها:
الجهاز العصبي الذي يمتاز بتحورات خاصة في المخ والمخيخ مما جعل له أثرا عميقا في تنسيق عمل العضلات المخططة المهمة في حفظ توازن الطائر وعملية الطيران.
كبر حجم العيون بالنسبة إلى الجسم وما ينتج عنه من قوة أبصار تجعل ارتياد الأفاق أمرا سهلا وميسورا.
معجزة الطيران الطيور