الأولويات هى مشكلة المشاكل المصرية، فى مجتمع متعدد المشاكل، مثل مجتمعنا المرهق المثخن بالجراح والقروح والأدران لا بد أن تكون لنا أولويات نحددها ونبنى الخطط على أساسها، لأننا لن نستطيع فتح بطن الوطن المريض وعلاج كل الأجهزة التنفسية والدورية والعصبية والهضمية مرة واحدة وبنفس المشرط وفى غرفة عمليات ضيقة وبطاقم طبى متواضع الإمكانيات، إذا كان هناك سرطان يصاحبه احتقان خفيف فى الزور واعوجاج حاجز أنفى ونمش فى اليد لا بد أن أعالج السرطان أولاً حتى أنقذ المريض، إذا كانت هناك جلطة دماغية لن أبحث للمريض عن حقن بوتوكس أو فيلرز، وإذا كان هناك شلل رباعى لن أشفط له الدهون، وإذا كان هناك شق حنجرى وتنفس صناعى لن أسأل المريض عما إذا كان يريد «كاتشاب» مع الطعام أم مايونيز؟!، هناك أولويات حياة أو موت بالنسبة للوطن وقد انتبهت لهذه المشكلة وقت بداية فترة الامتياز عندما كنت أرى مدير المستشفى يهرول من أجل شراء أشعة رنين مغناطيسى، تاركاً المستشفى بدون سرنجات والمعمل بدون ميكرسكوب وغرفة العمليات بدون تعقيم!، الوزارة تطلب للمستشفى الفلانى القابع فى مركز فى مجاهل الصحارى جهازاً حديثاً لتصحيح قصر النظر بالليزك، فى نفس الوقت الذى يفقد فيه أهل هذا المركز بصرهم نتيجة السكر والذباب وزيت القنديل!، وهكذا كل الوطن من البحر المتوسط حتى حلايب وشلاتين يكذب ويتجمل ويهمه الشكل على حساب الجوهر، والطقس على حساب الضمير وأولوياته مقلوبة وحساباته خاطئة وكلها خطايا!، لا بد أن نسأل أنفسنا: هل أولوياتنا «تابلت» لكل تلميذ أم كرسى لكل تلميذ؟! هناك مدارس يجلس فيها التلاميذ على الأرض متجاورين كعلبة السردين عددهم ثمانون فى حجرة خانقة لا تسع إلا عشرين طفلاً والحمار والجاموسة مربوطين على باب الفصل ونسبة الرصاص الزائدة والحديد الناقص والتقزم المتفشى يجعل من التعليم نفسه ترفاً ومهمة مستحيلة، هل أولوياتنا استيراد المكسرات والسيمون فيميه وقوانص الإوز وبطارخ السمك أم نوفر الفول المدمس والأرز والعيش لمن يكمل عشاءه نوماً ويأكل أرجل الفراخ كوجبة أساسية يعمل عليها مرقة للعيال الذين لا يذوقون طعم اللحم إلا فى الأعياد؟!، هل أولوياتنا هى دعم الكومباوند وملعب الجولف ومدخن السيجار أم دعم ساكن العشوائيات وقاطن المقابر وشارب المعسل؟!، دعم الصعيد أم القطامية هايتس؟، الفور باى فور أم البسكليتة؟، الوحدة الصحية أم مستشفى السبع نجوم؟ هل يتحدث إعلامنا وخبراء دستورنا عن الفقر وأولاد الشوارع أم عن دخول دورة المياه بالقدم اليمنى وجواز أكل لحم الجن؟، لا بد أن نختار أولوياتنا وتحقيق العدالة الاجتماعية لأن الثورة القادمة الهادرة إن لم نحقق هذا العدل ستكون ثورة الجياع التى ستهدر أى مكسب حققته يناير أو يونيو أو حتى برمهات! لأنها ستأكل الأخضر واليابس، الإخوان والليبراليين، الحكومة والشعب، بحرى والصعيد، سيناء ومطروح، مارينا وكفر بهانة، وسنكون ساعتها كلنا على باب الله كلنا إيد شاحتة ولسنا إيد واحدة!.