منذ عهد الفرعون الأول وحتى تاريخه نحن لدينا إشكالية كبرى فى صناعة القرار.
دائماً وأبداً يستيقظ الشعب أو تفاجأ الحلقة الضيقة المحيطة بالحاكم باتجاه ونص وطبيعة قرار صادر له قوة النفاذ دون أى استشارة مسبقة أو محاولة لاستكشاف رأى المحيطين به.
وفى الدول الديمقراطية، هناك اختراع عظيم اسمه «تداول مسودة مشروع قرار» وطلب معرفة الملاحظات والانطباعات حولها كتابة، ثم يتم تجميع كل هذه الملاحظات وتتم عملية صياغة نهائية تحاول مراعاة ما سبق.
بالطبع لا يوجد ولم يخترع بعد ذلك القرار الذى يمكن أن يرضى كل الناس بشكل كامل ونهائى ولكن توجد -على الأقل- محاولات جادة لتقريب وجهات النظر ولتفادى اعتراضات أو ملاحظات لم تؤخذ فى الاعتبار بسبب الجهل أو عدم المعرفة المسبق بها.
والمتابع لسجل القرارات الكبرى فى عهود ناصر والسادات ومبارك، والمجلس العسكرى ود. مرسى سوف يلاحظ أن مبدأ التشاور قبل إعلان القرار هو تقليد شبه غائب، وأن ردود الفعل السلبية التى ظهرت على مر التاريخ تجاه قرارات الحكام المتعاقبين كانت بالدرجة الأولى تعود إلى سبب هيكلى فى أسلوب صناعة القرار.
وآخر القرارات التى تواجه ذات رد الفعل السلبى هو الإعلان الدستورى الذى صدر عن الرئيس الانتقالى المؤقت والذى حظى بملاحظات وانتقادات علنية من جبهة الإنقاذ وحركة 6 أبريل وحزب النور.
والمذهل أن هذه القوى ليست فى حالة عداء مع نظام ما بعد 30 يونيو، بل هى جزء أصيل فيه، ولكنها فوجئت بالصيانة النهائية للمسودة التى نستطيع أن نؤكد أنه لم يتم تداولها بشكل مسبق على الإعلان عنها ولم يتم استمزاج رأى شركاء الحكم أو شركاء الثورة فيها.
والمسألة بالتأكيد لا تتم عن سوء نية من صانع القرار، لكنها موروث سياسى قديم يقوم فيه نظام الحكم الأبوى بإصدار القرار من منظور القناعة بأن نصه وروحه يخدمان المصلحة الكاملة للبلاد والعباد.
وكثيراً ما يصاب صانع القرار بالاستغراب أو الغضب من رد الفعل السلبى الآتى من الآخرين، بل إنه يعتبرهم إما جهلاء متآمريين أو لا يعرفون أين تكمن مصلحتهم.
المسألة كلها من الممكن تفاديها لو تحاورنا قبل أن نتخذ القرار، ولو تداولنا المسودة النهائية وأخذ ملاحظات الآخرين قبل أن نفاجئ الجميع بشكل نهائى ورسمى يصعب بعد ذلك التراجع عنه أو تعديله أو محو الآثار النفسية السلبية التى تظهر عقب رفض كل أو بعض حيثيات القرار.