أتابع بانتظام القضايا الانسانية والاجتماعية التي يطرحها بريد الجمعة وقرأت قصصا عديدة تتناول نفس المأساة التي أعيشها لكني لم أتعظ من دروسها.
<="" div="" border="0">
وها أنا أجلس مع نفسي بالساعات وأبكي بحرقة وألم علي ما آلت إليه أحوالي, وأدرك تماما أن مافات انقضي وانتهي, لكني قررت أن أكتب إليك بتجربتي عسي أن تستفيد منها كل عاصية عن أمر ربها ولا تطيع والديها بما يشيران به عليها, فأنا زوجة تخطيت الثلاثين بسنوات, ولدي ابنة في الصف الأول الاعدادي, وهي كبري أولادي الثلاثة, وقد لاحظت عليها الكذب, فتحدثت معها كثيرا عن الكذابين, وشرحت لها أن من تكذب لا يرضي عنها الله, وأثبت لها ذلك من القرآن والسنة بآيات وأحاديث, وركزت علي ما تدرسه من أدلة وأسانيد في المدرسة, فلم تلق بالا لما قلته لها واستمرت في هذه الآفة الخطيرة, بل وتمادت فيها, ثم اتجهت إلي آفة أخري هي السرقة, وبدأت بسرقة نقود من جيب أبيها, وأيضا مما أضعه في محفظة كمصروف للمنزل, وعنفتها علي ما تفعل, لكنها لم تتراجع.
كل هذا ووالدها لايعلم. أي شيء, فلقد تحاشيت إبلاغه بما تفعله لأنه عصبي المزاج من جهة, ويقضي في عمله ساعات طويلة من جهة أخري, وأشفق عليه من العبء الملقي علي عاتقه, ولذلك توليت هذا الدور نيابة عنه. وللأسف لم أفلح في اثنائها عما تفعل, وزادت فترات غيابها عن المنزل دون إذن مني, وكلما سألتها أين تقضي كل هذا الوقت؟ ترد علي: مع صديقاتي,, ومنذ أيام أبلغتني بأنها ستذهب إلي صديقتها لقضاء بعض الوقت معها, فوافقت بعد أن أكدت عليها ألا تتأخر عندها, ولكن مر وقت طويل ولم تعد فأحسست بحالة من الخوف والقلق فاتصلت علي تليفونها المحمول الذي أهداه لها والدها في عيد ميلادها, فوجدته مغلقا فكدت أصاب بالجنون ورحت أضرب أخماسا في أسداس, وبعد عدة ساعات اتصلت بي وطلبت مني بصوت متهدج أن أذهب إليها عند صديقتها, فهرولت وأنا أرتجف رعبا وخوفا ودعوت الله طوال الطريق ألا يكون قد حدث لها مكروه, وهناك عرفت أن صديقتها لم تكن موجودة بالمنزل, وهي تعلم ذلك, وانها اعتادت أن تقضي بعض الوقت في لعب الأتاري مع شقيق صديقتها, وهو تلميذ بالصف الأول الثانوي, وفي المرة الأخيرة توقف عن اللعب فجأة وهجم عليها, فقاومته بشدة لكنه أغلق الباب ومنعها من الخروج وظلت تبكي وتبعده عن نفسها,, وأحمد الله انني وصلت إليها قبل أن تضيع.
لقد عشت موقفا عصيبا, وعدت أجر أذيال الخيبة, وفور أن وصلنا إلي منزلنا توضأت وصليت ركعتي شكر لله أن نجاني من الكارثة التي أوشكت أن تحل بنا.. وفي أثناء سجودي رأيت وجه والدي رحمه الله, وتذكرت حياتي وأنا في سن ابنتي, وما فعلته في أبي برغم كل ما قدمه لنا وسط مشاغله وعمله الذي كان يستغرق كل وقته.. فلقد علمنا تعاليم الدين, وبث فينا الأخلاق الحميدة. وكان حريصا علي متابعة دروسنا ويحمل عنا الحقائب والكتب, وكان محبوبا من الجميع وسط العائلة, وكان يتمتع بسمعة طيبة في عمله, ولكني للأسف الشديد كنت مصدر تعاسة له, فلقد ارتكبت نفس ما وقعت فيه ابنتي من أخطاء, ولم ألق بالا لكل ما قاله لي, وخذلته كثيرا ولم أمتثل لأي طلب له, ومع ذلك ظل يعاملني بلطف وحنان.. وتحامل علي نفسه كثيرا من أجلي ووقف في وجه أمي واخوتي.. وفي أيامه الأخيرة قال لي كلمات لم أعها وقتها لأنني كنت غافلة عن معني الأب الحنون الذي ينصح دون كلل أو ملل ومازالت عبارته الأخيرة ترن في أذني: أتمني أن يطول بي العمر لكي أري كيف ستربين أبناءك؟!
نعم ياسيدي فلقد ارتكبت نفس أخطاء ابنتي, ولم أستمع لنصائح أبي, وإذا بابنتي تكرر ما فعلته, فالبنت تأخذ طباع أمها, ولم أع فداحة جرائمي في حق نفسي وأسرتي إلا بعد سلسلة أخطاء ابنتي والتي كاد شرفها أن يضيع في لحظة طيش نتيجة استهتاري.. وأرجو أن تتعلم كل الأمهات الدرس الذي لم أتعلمه؟.. وليت والدي رحمه الله يسامحني وهو في دار الخلد, فلقد مات وفي قلبه غصة مني, وقد ندمت أشد الندم علي ما فعلته, وسوف أتدارك كل أخطائي التي انتقلت إلي ابنتي.. وأسأل الله العفو والمغفرة.
>> ولكاتبة هذه الرسالة أقول: الخطأ الفادح الذي وقعت فيه مع ابنتك هو انك تركت لها الحبل علي الغارب تفعل ما يحلو لها دون رقابة ولا متابعة ولا محاسبة, فبمجرد ان تقول لك انها ذاهبة للقاء صديقة لها تسلمين بكلامها برغم اكتشافك كذبها في أمور كثيرة لم تتطرقي إليها. ثم لجوئها إلي السرقة, ولذلك كان طبيعيا أن تنجرف إلي تيار السوء, ولولا لطف الله لأفقدها هذا المراهق أعز ما تملك, وكل ذلك بسبب تهاونك معها واستهتارك بما تعرفينه عنها من سلوكيات خاطئة.
ولا أجد سببا مقنعا لعدم اشراك أبيها في تربيتها حتي لو كان عصبي المزاج, أو أنه يقضي فترات طويلة في عمله, فتربية الأبناء مسئولية مشتركة بين الأبوين, والأب هو الأقدر علي حل مشكلات أولاده حتي ولو لجأ إلي الشدة في محاسبتهم, فاسرعي إليه بشرح كل ما يتعلق بسلوك ابنتك وكذبها, وارتكابها جريمة السرقة, فتلك الآفات الخطيرة سوف تدفعها إلي حافة الهاوية, وقد تفقد فيما بعد سمعتها ومكانتها بين زميلاتها مما يؤثر علي مستقبلها بالسلب.
وإنني أعتقد أن تراخيك ومرونتك الشديدة في التعامل معها هي التي دفعتها إلي هذا الصنيع, ولقد كان دافعك إلي هذه المرونة هو مرورك بنفس التجربة المملوءة بالمثالب والأخطاء, وخروجك علي طاعة أبيك الراحل, وقد تذكرتها عندما حدث لابنتك ما حدث, فرحت تعضين النواجز علي عدم امتثالك لإرادة أبيك الذي حذرك من انك لن تحسني تربية أبنائك, وتحقق ما توقعه بالفعل, فالبنت تسير دائما علي خطي والدتها, ولا أدري ما إذا كان زوجك قد علم بما كنت عليه قبل ارتباطك به أم لا.. ولكن علي كل حال أرجو أن يكون ما تعرضت له ابنتك جرس إنذار لك ينبهك إلي احتواء أولادك بالاشتراك مع أبيهم.
أما السبيل الوحيد لارضاء والدك الراحل فهو أن تلتزمي بما كان يأمله فيك بالصراحة والوضوح ونقاء السريرة والندم علي ما فات والالتزام بالطريق القويم والسلوك الراقي. وأن تبثي هذه الصفات الحسنة في ابنتك, فمن تريد أن ترضي ربها وضميرها والمجتمع من حولها لا تسرق ولا تكذب ولا تدخل في علاقات لا تحمد عقباها.
أسأل الله لابنتك الهداية, ولك التوفيق, ولكل الآباء والأبناء طريق الرشاد, وهو وحده المستعان.
Share/Bookmark طباعة
[b]