أنا علي موعد أسبوعي مع بريدك الرائع, أتنقل بين سطوره, وأتزود بما فيه من تجارب إنسانية عظيمة,وأتعايش مع أبطال قصصك الواقعية, ولم يخطر ببالي أنني سأكون احدي بطلاتها.
<="" div="" border="0">
فلقد عصفت بي مشكلة جعلتني أتمني الموت, والخلاص من هذه الدنيا التي لا أستطيع أن أتواصل فيها مع الآخرين بعد أن عانيت الخداع والظلم, في الوقت الذي أتعامل فيه بالمثل والأخلاق, فأنا سيدة تخطيت سن الخمسين ومتزوجة من رجل فاضل, ولدي ولد وبنت.. الولد تخرج هذا العام وسافر إلي الخارج لاستكمال دراساته العليا, وهو هادئ ومؤدب, ويحمل قلبا كبيرا لا يعرف الكراهية لأحد.. والبنت عمرها تسعة عشر عاما وهي محور رسالتي إليك ومشكلتها لها شقان.. الأول قديم حيث اكتشفت منذ ثلاث سنوات أنها مصابة باضطراب سلوكي, فلجأت إلي الطب النفسي طلبا لعلاجها, وتعرضنا لدوامة من النصب والاحتيال إلي أن هدانا الله إلي طبيب في مركز قريب من منزلنا, شرح لي حالتها ووصف لها علاجاواظبت علي اعطائه لها أملا في تحسن حالتها, فلقد كانت متهورة وعصبية,. وتغار من شقيقها في أحيان كثيرة وتشعر بفارق كبير بينهما ثم سرعان ما تتبدل حالها وتتودد إليه وتبدي له حبها, أما عن الآخرين فإنها لا تحسن التصرف معهم ولا تستطيع كسب صديقات لها, وتميل دائما إلي العزلة, ولم تكن تهتم بدراستها, وأرجع الطبيب ذلك إلي أن الدواء الذي تتعاطاه يؤثر علي درجة استيعابها المواد الدراسية, ولذلك اضطررت إلي أن إلحاقها بنظام تعليمي مختلف ليكون أيسر وأسهل بالنسبة لها, وكلفنا ذلك الكثير.. وركزت كل جهدي حتي تحصل علي مجموع يؤهلها لدخول الجامعة مثل شقيقها, وأشفقت عليها من سذاجتها ورحت أتتبعها في كل مكان تذهب إليه, فهي تتعامل بحسن نية مع من تقابله, وتبكي إذا واجهت مشكلة في المدرسة, وأحيانا تنفعل ثم تعتذر, ولذلك كانت موضع سخرية من زميلاتها في أحيان كثيرة.
ومرت الأيام ولاحظت أنها تتحدث في التليفون المحمول كثيرا, وعرفت أنها تتحدث مع الشباب, فحاصرتها بالأسئلة والمتابعة, وقلت لها إن الحب لا يأتي بالتليفون, وإن البنت لابد أن تثق في نفسها, ولا تتعامل مع من لا تعرفهم, وسألتها: كيف عرف هؤلاء الشباب رقم هاتفك؟.. فقالت من صديقاتي في النادي..
وقد تسألني: وأين أبوها؟.. فأجيبك بأنه موجود ولكنه عصبي جدا رغم أنه متدين ولا يترك مجالا لنا للحديث في أي مشكلة, وحياتنا مستمرة بهذه الصورة النكدية كل يوم حتي إنني أخشي مفاتحته في أي موضوع قد يثير حفيظته.
ووسط هذه الظروف جاءتني ابنتي وقالت لي إن هناك شابا رآها في النادي اتصل بها وقال لها إنه معجب بها ويريد أن يتعرف عليها, وإنه طالب في السنة الرابعة بكلية عملية في جامعة خاصة, وتطور الحديث إلي المذاكرة فقالت له انها تعاني مشكلة في تحصيل الدروس فعرض عليها المساعدة.. وسألتني: ماذا تفعل؟.. فقلت لها: لا مانع من أن تقابليه بالنادي في وجودي, وذهبت معها, ووجدته شابا هادئا يتمتع بوجه طفولي, وجلسنا معا, وسألته كيف عرفت رقمها ومن الذي لفت نظرك إليها؟.. فقال لي: إنه أعجب بها كأي شاب تعجبه فتاة فيحاول أن يقترب منها, وأنها أغلقت الخط في وجهه أكثر من مرة لكنه لم ييأس. واستمر في محاولاته معها حتي نجح في كسب ثقتها, فعاودت سؤاله: ولماذا هي بالتحديد وهناك أخريات أجمل منها. فرد علي, وأنا سألت نفسي هذا السؤال ولم أصل إلي اجابة!!
وواظب علي المجيء إلي النادي كل يوم لكي يذاكر لها وهو سعيد بها, ويعبر عن حبه لها وأنه يتطلع إلي الارتباط بها, وتغيرت حال ابنتي إلي الأحسن وتعلقت به, وبدأت في الاهتمام بالمذاكرة. وتعرف زوجي وابني عليه, وزادت ثقتنا فيه, ولم ألتفت إلي الفارق المادي بيننا, ورأيت أن مستقبله عريض, وأنه قادر علي بناء بيت جديد وتحقيق ما يتمناه. أي أبوين لإبنتهما كما توطدت علاقتنا بأسرته وربطتنا صلة بأمه.. وأصبحت الأمور كلها علي مايرام.
ومضت الأوضاع علي هذا النحو حتي جاء يوم مرضت فيه أختي وتطلبت حالتها اجراء جراحة لها في أحد المستشفيات فصحبتها في حجرة العمليات, وتركت ابنتي بمفردها, في النادي ووجدها هذا الشاب الذي وضعنا كل ثقتنا فيه فرصة للانفراد بها فاستدرجها إلي شقته وحاول الاعتداء عليها فانهارت باكية, واتصلت بي وقالت لي: تعالي يا ماما فهرولت إليها, وأنا أحاول أن أصرف عن ذهني الهواجس التي ألمت بي والحمد لله أنها تماسكت وقاومته وحافظت علي نفسها ولكن جسور الثقة التي وضعناها فيمن ليس أهلا لها قد تهدمت تماما.
وتغيرت نظرتنا له تماما وحاول تهدئة روعنا بأنه لم يحدث أي شيء مما قد يتبادر إلي أذهاننا وأنه سوف يتزوجها, وظل لطيفا معها لمدة اسبوع ثم افتعل مشكلة بينها وبين احدي قريباته, وبعدها بأيام اتصلت هي بابنتي وأبلغتها بأنه خطبها, فسارعت إلي الإتصال به لتعرف حقيقة ما سمعته من هذه الفتاة قال لها كل ما بيننا انتهي ثم أغلق السماعة, ولم يرد علي التليفون بعدها.
وتعرضت إبنتي للانتكاسة الصحية من جديد, وحالتها تسوء من يوم إلي آخر وكلما نظرت إليها تشتعل النار في قلبي وجسدي, فلقد دمر هذا الإنسان حياتها وفكرت ألا أتركه حرا طليقا بعدما فعل وأن أحاول استرداد كرامتي وكرامة ابنتي فحررت له محضر شرطة وأنا أسعي إلي رد الاعتبار واعتذاره عما بدر منه.. وأتوا به فجاء ومعه ثلاثة محامين, وبعد مناقشات واستجوابات أخلوا سبيله وأنكرت والدته أي صلة له بالموضوع وكأن هذه العلاقة لم يكن لها وجود!
ومادت الأرض بي, وأنا أتعرض لهزيمة نفسية قاسية مع انني صاحبة حق وابنتي مجني عليها, ولم أعد أعرف طعم النوم وأخشي أن أصبح قاتلة ثأرا لكرامتي وشرف ابنتي بعد هذه النهاية الحزينة لقصة تصورت أنها ستنتهي بزواج ابنتي.. فماذا أفعل؟
{{ ولكاتبة هذه الرسالة أقول: كلاكما أخطأ ياسيدتي, فلقد أخطأت حين تركت الحبل علي الغارب لابنتك وهي تعاني ظروفا صحية خاصة, فقضت معظم الوقت مع هذا الشاب في النادي بدعوي أنه يذاكر لها, ولا تدرين ما كان يقوله, ولا ما يبثه في نفسها من أوهام وخيالات باسم الحب, وهو منه براء.. وقد أخطأ هو الآخر بالتغرير بابنتك ومساندة والدته له علي ذلك فلقد تركته يمضي فيما اعتزمه ولم تمنعه من الاستمرار في خداعكم, ولا أدري كيف توطدت علاقة أسرتيكما إلي حد الزيارات وتبادل الاتصالات الهاتفية, في الوقت الذي لا يربط ابنتك به أي رابط, ولا حتي مجرد خطبة؟.. ثم لماذا لم تحذريها من الانسياق وراءه تحت أي ظرف؟.. وأين زوجك من هذه القصة برمتها؟.. ولماذا لم يتخذ خطوات ملموسة نحو الارتباط لو كان جادا فيه؟, وهل عصبيته التي تتحدثين عنها تجعلك تخفين عنه أمرا مصيريا خاصا بابنتك كهذا؟
وإنني أتعجب, بعد كل ما حدث, من سعيك وراءه لكي يتزوجها, فلو ارتبط بها بالضغط والإلحاح منكم, وبعد كشف فعلته الشنعاء ونيته الخبيثة, فلن تستمر معه أياما, وسوف تأتيكم وهي تجر أذيال الخيبة والندم, ولن ينصلح لها حال بعد ذلك, خصوصا أنها مريضة وتتلقي علاجا نفسيا.
يا سيدتي احمدي ربك أنه كشف لك الغمة عن هذا الشاب الغادر الذي غرر بابنتك باسم الحب والشهامة, ثم راح يفكر في الإيقاع بها غير مبال بظروفها الصحية مستغلا تعلقها به, واطمئنانكم الي حسن صحبته, ولا داعي لملاحقته, والسعي للانتقام منه, ففي ذلك شوشرة علي سمعة ابنتكم, بل عليك التسليم بالأمر الواقع والابتعاد عنه وتضميد جراحها النفسية خصوصا أنه لم يحدث لها ما كنت تخشيه, أما الإحساس بالغدر فليس في استطاعتك أن تغيريه بمحض ارادتك, ولكن بإمكانك أن تغيري أفعالك, وأن تفتحي صفحة جديدة في حياة ابنتك خالية من الرواسب والشوائب, واذا تغيرت الأفعال فسوف تتبدل الأحاسيس بطريقة تلقائية.
أيضا عليك بتغيير اتجاهك الذهني نحو احتواء ابنتك ومراقبتها عن بعد حتي لا تتصل بهذا الشاب أو غيره بعيدا عنك.. ودعي أمره لخالقه وسوف يدفع ثمن إثمه في حق ابنتك المسالمة, إن عاجلا أو آجلا ولتعلمي أن أعظم دواء للقلق الذي ينتابك هو الإيمان بالله, فكوني قريبة منه, ولتطمئني إلي أن فرجه قريب, وهو وحده المستعان.[i]