1
آيات الله في الاعصاب وجذع الدماغ
قال تعالى: ((ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن اقرب اليه من حبل الوريد..))(سورة ق ).
عندما نمعن النظر فيما قدمه المفسرون من السلف الصالح بخصوص الاية الكريمة نجد ان معظم الآراء تلتقي على ان حبل الوريد قصد به وعاء دموي وهو العرق بجانب الصفد، تزعم العرب انه الوتين... ولكن هناك بعض المؤشرات التي تجعل هذا التفسير بعيداً عن الدقة. وهذا ما قدمه لنا الباحثون الدارسون في هذا المجال فعبارة حبل الوريد لاتعني وعاءً دموياً لأن الحبل هو ما يكون غير مجوف(أو غير انبوبي) لايمكن ان يسمى حبلاً اذا اصبح مجوفاً لأنه بذلك يفقد من قوته ويكسب صفةً اخرى.. وقد ربط الله سبحانه وتعالى في هذه الاية بين وسوسة النفس وبين قربه من حبل الوريد.. وعلى اعتبار ان الوسوسة تحصل في الدماغ، فإن هناك اعضاء اخرى هي اقرب للدماغ من العرق في الرقبة فضلاً عن ان العرق الدموي ليس له علاقة بعملية الوسوسة..
فلو كان المقصود بحبل الوريد ذلك العرق الذي ينقل الدم الى الدماغ فإن هناك عرقاً اخر لايقل اهمية عن العرق الاول يقوم بنقل الدم الى اماكن غاية في الاهمية في الدماغ.. وعلماً ان الاية اشارت الى حبل الوريد على انه عضو فردي وغير مزدوج وهذه الحقيقة لاتتفق مع التفسير المصطلح عليه لحد الآن.
والاية الكريمة قد تجلت فيها ثلاث صفات عظيمة لله سبحانه وتعالى دلت على قدرته في تعريف ارادته ابتداءً بخلق الانسان ومن ثم علمه بالوسوسة التي تحصل في النفس وانه تعالى اقرب للانسان من حبل الوريد فهذا ان دلَّ على شيء فانما يدل على سعة علمه وكماله بخلق الانسان وعلمه بحاله وما يخطر بباله وما يجول في نفسه..
وبما ان الله سبحانه وتعالى وسطّ بين الوسوسة وبين حبل الوريد فهذا يدل على علاقة وثيقة بينهما.
ان اصل الوسوسة هو الحركة او الصوت الخفي الذي لايحس فيتحرز منه او هو(الكلام الخفي الذي يحصل في النفس).. وذات علاقة مباشرة بالذهن وان الذهن هو المظهر الذاتي او الباطني للدماغ والذي يقوم بوظائف استرجاعية.. وقد اتضح مؤخراً بان هذا الجهاز هو من المظاهر المركزية للوعي. يتضح مما تقدم ان حبل الوريد هو جزء من اجزاء الدماغ المهمة.
وله علاقة بالوعي واليقظة والافعال الارادية وغير الارادية وذو اتصال مباشر وغير مباشر مع معظم اجزاء الدماغ المختلفة.. ويقول العلماء ان حبل الوريد يكون على الاغلب هو جذع الدماغ(Brain stem) والله اعلم بمراده..
ان جذع الدماغ هو جسم عصبي يبلغ طوله حوالي 7,5 سم يختلف في تركيبه الاساسي عن الاوعية الدموية التي تتميز جدرانها بخصائص تجعلها مخصصة لنقل الدم وليس لها صفات الحبل لربط او تثبت اعضاء اخرى.. وهذا بخلاف جذع الدماغ الذي يعتبر وسيطا لربط نصفي كرة المخ مع النخاع الشوكي فتظهر خواص الحبل فيه..
ومن ناحية اخرى فان الوريد الذي يورد او عن طريقه ترد المعلومات من والى الدماغ فان كلمة الوريد هي تبيان لتوريد المعلومات والحوافز الداخلة والخارجة من الدماغ. وبالاضافة الى هاتين الصفتين(كونه حبلاً وكونه مورداً للمعلومات) فان لجذع الدماغ صفة مهمة اخرى هي احتواؤه على ما يسمى بالجهاز المنشط الشبكي ولهذا الجهازوظائف عديدة اهمها المحافظة على حالة الوعي فيكون الانسان في حالة انتباه وتيقظ، وكذلك فان هذا الجهاز يعجل استلام المحفزات من قبل الدماغ ممكناً ولو قطع الأتصال بين التكوين الشبكي وقشرة المخ لأصبح في حالة سبات عميق فضلاً عن علاقة الجهاز الشبكي المنشط للانتباه، اليقظة، الوعي، النوم، وفعاليات الدماغ الكهربائية فانه يستلم ايضاً ويورد المعلومات من الاجهزة السمعية والبصرية والشمية. ولهذا فمن غير الغريب أن اعتبر قسم من العلماء تدمير جذع الدماغ معادلاً لموت الدماغ الكامل أو دليلاً على ذلك. وهذا البحث قدمه. عمار محمد جزاه الله عنا وعن المسلمين.
واذا رجعنا إلى الآية الكريمة نجد أن السياق مستمر، ويدل على ارتباط الوسوسة بحبل الوريد اذ يوجد ارتباط مباشر بين ما يحدّثُ الانسان نفسه بصورة خفية وبين مايمكن ان يتحول من الافكار والخواطر إلى فعاليات إرادية حركية.. وهذه الفعاليات تكون ذات علاقة مباشرة وغير مباشرة مع جذع الدماغ اذ تمر الايعازات من خلاله إلى باقي انحاء الجسم.
وبذلك فإن الله سبحانه وتعالى قد اعلن انه يعلم الوسوسة وقت حدوثها وكذلك قبل تحولها أو وصولها إلى جذع الدماغ حيث يكون التحول من النية إلى الفعل الحركي في بدايته وبالتعاون مع بقية اجزاء الدماغ الاخرى... فهو سبحانه وتعالى أقرب إلى الانسان من هذه المرحلة فكان ذلك الربط الاعجازي في هذه الآية بين عملية الوسوسة وبين حبل الوريد.. وعلى ما يبدو فقد ذكر جذع الدماغ في الحديث الشريف الذي ذكره البخاري في صحيحه عن سعيد بن السيب عن ابي هريرة(رضي الله عنه) ان رسول الله(صلى الله عليه وسلم) قال(يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم اذا نام ثلاث عقد.. يضرب على كل عقدة مكانها ، عليك ليل طويل فارقد اما اذا استيقظ فذكر الله انحلت عقدة.. فإن توضأ انحلت عقدة.. فإن صلى انحلت عقده كلها فأصبح نشيطاً طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان).
الدلائل والاشارات في الحديث.
1- ذكر الحديث قافية الرأس وهي من الناحية التشريحية تعني المجرة الخلفية للجمجمة التي يقع فيها كل من جذع الدماغ(Brain stem) والمخيخ (Cerebellum).
2- اشار الحديث الشريف الى شر من شرور الانسان وهو انه اذا نام عقد الشيطان على رأسه عقدة تمنعه من اليقظة حتى ينام الى الصباح وان اليقظة والانتباه من وظائف الجهاز المنشط الشبكي
(Reticular aetivating sys)
والواقع في الجزء المركزي لجذع الدماغ.
3- حدد الحديث بأن الشيطان يعقد ثلاث عقد لها مكانها..
وفي هذه النقطة اعجاز لهذا الحديث اذا علمنا ان جذع الدماغ يتكون من ثلاث مناطق تشريحية
1- Medulla
2- Pons
3- Midbrain
وجميع هذه المناطق تحتوي على التحكم والسيطرة بالدماغ وعلى جسم الانسان ككل.
يتضح مما تقدم، ان جذع الدماغ الذي يربط الدماغ بالنخاع الشوكي يتميز باحتوائه على ارتباطات عصبية واسعة مع جميع المراكز الدماغية وانه يورد المعلومات من والى الدماغ كما انه له علاقة وثيقة باليقظة والانتباه.
اشار الله سبحانه وتعالى في الاية الكريمة الى انه اقرب للانسان من حبل وريده فهو سبحانه يعلم الوسوسة قبل حدوثها وكذلك اقرب للانسان من مرحلة تحول الوسوسة والنية الى فعل مادي حركي وهي لاتزال في طور الايعازات العصبية داخل الدماغ فيكون الله جل وعلا اقرب للانسان من وعيه وحسه وانتباهه.
والله تعالى يقول الحق وهو يهدي السبيل.