الساذج والأحمق والحكيم!
أسامة الغزالى حرب الثلاثاء 23-07-2013 21:54
طباعة
14
فكرة هذا العنوان مستوحاة من عنوان الفيلم الإيطالى الشهير «الطيب والشرس والقبيح»، الذى أنتج فى منتصف الستينات عن قصة تجرى أحداثها فى غمار الحرب الأهلية الأمريكية.. غير أن فكرة توصيف أو «تنميط» الشخصيات والمقابلة بينها يمكن أن توجد فى عالم السياسة مثلما يمكن فى الواقع أن توجد فى كافة جوانب الحياة الإنسانية. وقد أغرتنى ردود الأفعال الدولية حول الوقائع الساخنة والفارقة فى التاريخ المصرى المعاصر التى وقعت يوم 30 يونيو وما بعده، والخلاف الذى وقع حول تعريف ما حدث فى مصر، وهل هو انقلاب أو ثورة - بأن أقارن بين ثلاث شخصيات يثير اختلاف وجهات نظرها حول ما وقع فى مصر، ملاحظات وخواطر مثيرة!
* «الساذج»، أشير به إلى الرئيس الأمريكى باراك أوباما، وبالقطع فإن أوباما الفرد أو الإنسان لا يمكن على الإطلاق وصفه بالسذاجة، ولكنى أقصد أوباما كرئيس وكرمز للولايات المتحدة ولسياستها العالمية، وبالتحديد إزاء مصر ومنطقة العالم العربى والشرق الأوسط عموماً!
أوباما والإدارة الأمريكية بشكل عام أسقط فى يدهم، بعد السقوط المدوى لحلفائهم الأوفياء والمخلصين لهم جداً، أى الإخوان المسلمين! فقد عاش هؤلاء باستمرار تحت الوهم الذى صنعته أجهزة المخابرات والأمن ومراكز الأبحاث والجامعات المتخصصة فى شئون مصر والمنطقة العربية بأن القوة السياسية «الوحيدة» فى مصر -وفى أغلب البلدان العربية- القادرة والمؤهلة للحكم هى «الإخوان المسلمون»، وقد ثبتت السفيرة الأمريكية فى القاهرة «آن باترسون» هذه الفكرة، واهتمت بتوثيق علاقاتها بالإخوان المسلمين وحزبهم، متصورة أن تجربتها السابقة فى باكستان تؤهلها لأن «تدعم» القوى الإسلامية فى مصر، وتثبت أقدامها بالتالى فى حكم البلاد. وبالقطع فإن الدافع الأساسى وراء ذلك هو اطمئنانها لموقف «الإخوان» من القضية أو «المصلحة» ذات الأولوية القصوى للولايات المتحدة فى المنطقة، أى «الحفاظ على أمن إسرائيل»، ومن الواضح أن «إخواننا» قدموا كل الضمانات لـ«باترسون» بأنهم كفيلون بحماية أمن إسرائيل، وحمايتها من مخاطر أو إزعاج «حماس»!
غير أن رياح الثورة المصرية أتت بما لا تشتهيه السفن الأمريكية، ووجدت الإدارة الأمريكية نفسها، وعلى رأسها أوباما نفسه، فى حيص بيص، وفى حين نسب إلى بعض المصادر الأمريكية وصف ما حدث فى مصر بأنه «انقلاب على الشرعية» فإنها ما لبثت أن تخلت عن ذلك التوصيف تماماً، لتتعامل مع مصر باعتبارها دولة فى حالة «ثورة»، وكانت أهم دروس هذا العجز لدى الإدارة الأمريكية هو أن تستوعب بسرعة ما حدث، وتدرك أن نزول ملايين المصريين إلى الميادين والشوارع فى كل أنحاء مصر هو أمر ينطوى -بلا شك- على دلائل لا تخفى، ولكن هذا الموقف تأخر وتردد كثيرا قبل أن يحسم أمره، بعد عدد من الاتصالات الهامة بين القائد العام للقوات المسلحة، وعدد من القيادات الأمريكية السياسية العسكرية، فضلاً عن عدد من الاتصالات الأخرى بأصدقاء لهم فى المنطقة أكثر دراية بما حدث فى مصر.
* أما «الأحمق» فهو للأسف التوصيف الأقرب للدقة للسيد رجب طيب أردوغان، الرئيس التركى الذى أعاد إلى الأذهان الصورة النمطية الشائعة عن «التركى» فى الثقافة الشعبية المصرية، باعتباره شخصاً متغطرساً يتصلب فى رأيه ويتسرع فى الحكم على الأشياء، ويرفض الاعتراف بالواقع حوله! فقد تسرع «أردوغان» وحزبه ووصفا ما حدث فى مصر بأنه «انقلاب عسكرى». وصرح «أردوغان» -بشكل غاضب لا علاقة له بأى حكمة دبلوماسية- بعدد من التصريحات المنفعلة، مثل إنه «رفض طلباً من د. محمد البرادعى مناقشته هاتفياً بشأن الأوضاع فى مصر»، وأن البرادعى «كان يقول أنه ضد الانقلاب، ولكنه حين أغرى بمنصب نائب الرئيس أو رئيس الوزراء.. يحاول الاتصال بنا، ولكنى أقول له انس ذلك»! وانفعل أيضاً إزاء المستشار عدلى منصور مخاطباً إياه: «كيف أتحدث إليك وأنت شخص عينه الانقلابيون؟! وأن بلاده لا تعترف إلا بـ«مرسى» رئيساً شرعياً للبلاد! ولا شك أن كثيرين فى تركيا يدركون أن تلك التصريحات كانت شديدة الانفعالية، ما لبث أن تراجعت تركيا عنها، فضلاً عن أنها وضعت «أردوغان» فى مرمى النقد اللاذع من الأحزاب التركية المنافسة! غير أن «أردوغان» يظل معذوراً فى مواقفه وانفعالاته إذا فهمنا أسباب ذلك الموقف؛ فهو قد فقد الداعم الأساسى لسياساته وطموحاته فى إعادة فرض النفوذ «العثمانى» فى المنطقة، بل وأكثر من ذلك فإن سقوط الإخوان فى مصر يشجع القوى المناهضة له فى تركيا للنشاط ضده، بالرغم من الإنجازات المؤكدة التى حققها لبلاده (عكس الخيبة الإخوانية فى مصر!). ويبدو الآن أن الإخوان المسلمين -فى مواجهة المحنة التى تعرضوا لها- سارعوا بالاتصال بـ«أردوغان» والاستعانة به، فتحدث بما نسب إليه، فضلاً عن التلويح بقطع المساعدات المالية التى تقدمها تركيا لمصر، وهو الأمر الذى فقد قيمته بعد المساعدات الخليجية للخزانة المصرية عقب سقوط «مرسى»!
* أما «الحكيم» فهو بلا شك السيد «تونى بلير» رئيس وزراء بريطانيا (1997-2007) والمبعوث الدولى الحالى للشرق الأوسط، الذى أعرب بوضوح عن رأيه فيما حدث فى مصر فى أكثر من مقال، فضلاً عن مقابلة مع قناة «العربية»، قال «بلير»: «إن قوة التظاهرات الشعبية لم تجعل أمام الجيش المصرى سوى خيار واحد هو عزل (مرسى). وإن القوة التى أبدتها المعارضة فى الشوارع المصرية جعلت القوات المسلحة أمام خيارين لا ثالث لهما: إما التدخل، أو ترك البلاد للفوضى». وفى تفسير لموقفه -الذى نظر إليه باعتباره معادياً لحكم وصل عن الطريق الديمقراطى- قال «بلير»: «على الرغم من موقفى الداعم بشدة للديمقراطية، فإن كون الحكومة ديمقراطية لا يعنى أنها فاعلة، وإن التحدى هو إثبات مدى فاعليتها». وقال «بلير»: «إنه عندما تعجز الحكومات -حتى وإن كانت منتخبة ديمقراطياً- عن تقديم ما يطالب به الشعب فى الاحتجاجات التى يثيرها، فإنها تصبح فى ورطة. وإن ما يحدث فى مصر هو خير شاهد على التفاعل الذى بات واضحاً للعيان فى جميع أنحاء العالم بين فاعلية الديمقراطية، والتظاهر، والحكم»، وقال: «إن الديمقراطية ما هى إلا وسيلة لتحديد صناع القرار، إلا أنها ليست بديلا عن اتخاذ القرار». وشن «بلير» هجوماً لاذعاً على الأداء الحكومى للإخوان قائلاً: «إنهم عجزوا عن التحول من جماعة معارضة إلى سلطة حاكمة، إذ انهار الاقتصاد وانعدم النظام وسيادة القانون!». وبعد أن أشار إلى التغييرات الجارية فى المنطقة انتهى إلى القول: «إن الصراع هناك يعنينا، والأخبار الجيدة هى أن الملايين من أفراد الشعب المنفتحين والعصريين، قد خرجوا إلى الشوارع هناك، إنهم بحاجة لأن يدركوا وقوفنا بجانبهم، وإن حلفاءهم على استعداد لدفع الثمن ليصبحوا بجانبهم».
ومع أن تصريحات «بلير» هذه وجدت من ينتقدها، مثلما جاء فى صحيفة الأوبزرفر التى قالت إن «بلير» نفسه تجاهل خروج مليون بريطانى احتجاجاً على مشاركته فى الحرب ضد صدام حسين عام 2003، إلا أنه يظل من الصحيح أيضاً أن هناك فارقاً لا يمكن تجاهله بين مظاهرات شملت مليون شخص، وأخرى شملت ما لا يقل عن 17 مليوناً!